إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ؛ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللهِ؛ حَيْثَ وَرَدَ مَدْحُهُ وَالثَّنَاءُ عَلَى أَفْعَالِهِ، وَضَرْبُ الْأَمْثَالِ بِهِ فِي عَدَدٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ؛ لِيَزْدَادَ الْمُؤْمِنُ إِيمَانًا، وَيَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا، وَيَنَالَ مَنْزِلَةً عِنْدَ رَبِّهِ وَرِفْعَةً وَعُلُوًّا. وَمِنْ هَذِهِ الْأَمْثَالِ: قَوْلُ النِّبِيِّ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَالْمُؤْمِنُ الَّذِي يُوَاظِبُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ، فَتَطِيبُ نَفْسُهُ، وَتَرْتَقِي أَخْلَاقُهُ، وَيَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِ وَبِقِرَاءَتِهِ، فَهُوَ كَمَثَلِ ثَمَرِ الْأُتْرُجَّةِ جَامِعٌ لِطِيبِ الطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ وَحُسْنِ الْلَّوْنِ، وَمَنَافِعُهُ كَثِيرَةٌ، أَمَّا الْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يُدَاوِمُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَهُوَ كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا حُلْوٌ، وَلَا رِيحَ لَهَا، فَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْإِيمَانِ كَاشْتِمَالِ التَّمْرَةِ عَلَى الْحَلَاوَةِ فِي طَعْمِهَا وَبَاطِنِهَا، وَعَدَمُ ظُهُورِ رِيحٍ لَهَا يَشُمُّهُ النَّاسُ؛ لِعَدَمِ ظُهُورِ قِرَاءَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِسَمَاعِهَا.
وَفِي مِثَالٍ آخَرَ شَبَّهَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُؤْمِنَ بِالنَّحْلَةِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ النَّحْلَةِ، أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَإنْ وَقَعَتْ عَلَى عُودِ شَجَرٍ، لَمْ تَكْسِرْ وَلَمْ تُفْسِدْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
فَالْمُؤْمِنُ طَيِّبٌ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، يَتَحَرَّى الْحَلَالَ الطَّيِّبَ فِي رِزْقِهِ، وَيَتَحَلَّى بِاللُّطْفِ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَيَجْتَهِدُ وَيَعْمَلُ، وَهُوَ لَا يُؤْذِي أَحَدًا، بَلْ هُوَ نَافِعٌ أَيْنَمَا حَلَّ وَنَزَلَ.
وَمَا يَنْزِلُ بِالْمُؤْمِنِ مِنَ الشَّدَائِدِ، فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا قُوَّةً، وَقَدْ شَبَّهَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي ذَلِكَ بِالزَّرْعِ، فَقَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لَا تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ، وَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَإِذَا كَثُرَ الْبَلَاءُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَأَصَابَهُ مَا يَكْرَهُ فِي بَدَنِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ؛ فَإِنَّهُ يَتَحَمَّلُ وَيَصْبِرُ، وَيَسْتَرِدُّ عَزِيمَتَهُ، وَيَسْتَعِيدُ قُوَّتَهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَلَاءَ مُكَفِّرٌ لِسَيِّئَاتِهِ، وَرَافِعٌ لِدَرَجَاتِهِ.
وَالْمُؤْمِنُ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ اللهِ انْقَادَ لَهُ وَرَضِيَ بِهِ؛ فَإِنْ جَاءَهُ خَيْرٌ فَرِحَ بِهِ وَشَكَر، وَإِنْ وَقَعَ بِهِ مَكْرُوهٌ صَبَرَ وَرَجَا فِيهِ الْأَجْرَ، فَإِذَا انْدَفَعَ عَنْهُ اعْتَدَلَ شَاكِرًا لِرَبِّهِ، عَائِدًا إِلَى سَابِقِ اسْتِقَامَتِهِ، مَثَلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَثَلِ السُّنْبُلَةِ؛ تَنْحَنِي لِلرِّيحِ الْقَوِّيَّةِ حَتَّى تَمُرَّ ثُمَّ تَقُومُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ السُّنْبُلَةِ، تَسْتَقِيمُ مَرَّةً، وَتَخِرُّ مَرَّةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَالْمُؤْمِنُ إِذَا وَقَعَ فِي سَيِّئَةٍ اسْتَغْفَرَ وَتَابَ، وَعَادَ إِلَى رَبِّهِ وَأَنَابَ؛ اسْتِجَابَةً لِأَمْرِ رَبِّهِ التَّوَّابِ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ فِي كَثْرَةِ نَفْعِهِ وَخَيْرِهِ كَمَثَلِ النَّخْلَةِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلَا يَتَحَاتُّ، هِيَ النَّخْلَةُ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
فَشَبَّهَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُؤْمِنَ بِالنَّخْلَةِ فِي كَثْرَةِ خَيْرِهَا، وَدَوَامِ ظِلِّهَا، وَطِيبِ ثَمَرِهَا، وَجَمَالِ نَبَاتِهَا، وَحُسْنِ هَيْئَةِ ثَمَرِهَا، فَهِيَ مَنَافِعُ كُلُّهَا، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ، خَيْرُهُ عَمِيمٌ، وَنَفْعُهُ كَثِيرٌ، إِنْ صَاحَبْتَهُ نَفَعَكَ، وَإِنْ جَالَسْتَهُ أَفَادَكَ، وَإِنْ شَاوَرْتَهُ نَصَحَكَ، وَإِنْ أَخْطَأْتَ صَوَّبَكَ. فَشَجَرَةُ الْإِيمَانِ تُعْرَفُ بِثِمَارِهَا الطَّيِّبَةِ؛ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ، الَّتِي يَنَالُ بِهَا الْمُؤْمِنُ مَحَبَّةَ كُلِّ مَنْ خَالَطَهُ وَعَامَلَهُ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي أَخْلَاقِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ، كَمَا تَتَفَاوَتُ الْمَعَادِنُ فِيمَا بَيْنَهَا؛ حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَبَيَّنَ لَنَا ﷺ أَنَّ جَوْهَرَ الْمُؤْمِنِ نَقِيٌّ، وَمَعْدَنَهُ بَهِيٌّ، لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلُ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ، نَفَخَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ تَغَيَّرْ، وَلَمْ تَنْقُصْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
ذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ صَالِحٌ فِي نَفْسِهِ، مُصْلِحٌ لِغَيْرِهِ، أَخْلَاقُهُ حَسَنَةٌ، وَأَعْمَالُهُ صَالِحَةٌ، وَصِفَاتُهُ طَيِّبَةٌ، يَجْتَهِدُ فِيمَا يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ؛ فَيُسْعِدُ نَفْسَهُ، وَيُسْعِدُ النَّاسَ مِنْ حَوْلِهِ؛ فَلَا يَجِدُونَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ مَا يُؤْذِيهِمْ، أَوْ يُسِيءُ إِلَيْهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
عِبَادَ اللهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَأَتْبَاعِهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا رَخَاءً سَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ يَا غَفُورُ يَا رَحِيمُ، اللَّهُم فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُومِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَفِّسْ كَرْبَهُمْ، وَعَافِ مُبْتَلَاهُمْ، وَاقْضِ الدَّينَ عَنِ الْمَدِيِنِينَ مِنْهُمْ، وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ، وَارْحَمْ مَوتَاهُمْ، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
عِبَادَ اللهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.