موقع الشيخ عبدالغفار العماوي

أدعو إلى الله على بصيرة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أيها العاصي عد إلى الله تعالى | خطبة الجمعة مكتوبة

 الخُطْبَةُ الأُولَى

 إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" أَمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللهِ، قدرُنا أنْ نذنِبَ ونُخطئَ، ومشيئةُ اللَّه فينَا أن نقصِّرَ ونسيءَ، كلُّ بنِي آدمَ خَطَّاءٌ، لَمْ نكنْ يومًا ملائكةً لَا يعْصونَ اللهَ مَا أمرَهُم ويفعلُون ما يؤْمَرونَ .

أناَ وأنتَ يا عبدَ اللهِ، الضعفُ مغروسٌ فينَا، والشَّيطانُ والهوَى يستهْوِينَا .

تضعفُ نفوسُنا ردحًا مِنَ العمْرِ، وتعترينَا الغفلةُ والغفلاتُ حينًا مِنَ الدهرِ.

أنَا وأنتَ يا عبدَ اللهِ أصحابُ ذنوبٍ وسيّئاتٍ ومعاصٍ وخطيئاتٍ، ومَنْ ذا الَّذي يسلمُ من تلك الآفاتِ؟!

مَنِ الَّذِي مَا سَاءَ قَطّْ     وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ

ثبتَ في الصَّحيحَين عنْ أبِي هُرَيْرةَ - رضِيَ اللهُ عنْهُ - أنَّ النَّبيَّ (قالَ: ((والَّذي نفسِي بيدِه، لَو لمْ تُذْنِبوا، لذهَبَ اللَّهُ بكُمْ، ولجَاءَ بقومٍ يُذْنِبونَ فيستغفرونَ اللهَ، فيُغْفرُ لهمْ)).

فإذَا علِمْنَا - عبادَ اللهِ - أنَّنا مُذْنِبونَ خطَّاؤُون، فعليْنَا أنْ نتعلَّمَ كيفَ نتعاملُ معَ هذهِ الذّنوبِ، ولا يعنِي ذلكَ التَّهوينُ مِنْ شأنِ المعصيةِ، أو تسويغُهَا والتَّبريرُ لهَا، وإنَّما المرادُ بيانُ الموقفِ الشَّرعِي، والأدبِ الواجبِ تُجاه هذه المعصيةِ.

يا أيُّها العبدُ الضَّعيفُ، لَا تعصِ اللهَ تعالَى، فإذَا عصَيتَ اللَّهَ فاستجْمِعْ معِي هذه الآدابُ: بادرْ بعدَ الخطيئةِ بالتَّوبةِ، وأصلحْ مَا أفسدتْهُ جوارحُكَ بدوامِ الاستِغْفارِ، وهكذا، كلَّمَا قادكَ هواكَ لمعصيةِ، وجرَّتكَ نفسُكَ الأمَّارةُ إلَى إساءةِ، فأعقِبْ ذلكَ بالاستِكانةِ والأوْبةِ، والإنابةِ والتَّوبةِ، فهذهِ المبادرةُ منكَ برهانٌ علَى حياةِ قلْبِكَ، وتحرُّكُ الإيمانِ بينَ جنبيْكَ؛ قالَ - سبحانَهُ - عنْ عبادِه المتَّقينَ، والموْعودينَ بجنَّةٍ عرْضٌها السَّمواتُ والأرضُ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].

لا تَسْتَصْغِرِ الذَّنبَ، ولا تُهوِّنُ مِنْ شأنِ المعصيةِ؛ فَلا تدْرِي، فلعَلَّ مَا احتقرتَه يكونُ سببًا لشقائِكَ فِي الآخرِة، وقديمًا قالَ بلالُ بنُ سعدٍ: لا تنظُرْ إلَى صِغَرِ الخطيئةِ، وانظرْ إلِى عِظَمِ مَنْ عصيتَ.دخلتِ النَّارَ امرأةٌ بسببِ هرَّةٍ حبستهَا. ورُبَّ كلمةٍ يتكلَّمُ بهِا الرَّجُلُ مَا يُلقِي لهَا بالاً، تَهوِي بهِ فِي قَعْرِ سقرَ، نعوذُ باللهِ مِنْ سقرَ. ولِذَا حذَّرنَا النَّاصحُ لأمَّتِهِ ( مِنْ استحقارِ الذنوبِ وتهوينِهَا، فقالَ: ((إيَّاكُمْ ومحقّراتِ الذنوبِ؛ فإنَّما مثلُ محقّراتِ الذنوبِ كمثلِ قومٍ نزلوا بطنَ وادٍ فجاءَ ذا بعودٍ، وجاءَ ذا بعودٍ، حتَّى جمعوا ما أنضجوا بهِ خُبزَهُمْ، وإنَّ محقّراتِ الذنوبِ، متَى يؤخذُ بِها صاحبها تُهْلِكْهُ))؛ 

أخِي المقصّرُ - وكُلُّنا وربِي مقصِّرُ - إيَّاكَ ثمَّ إيَّاكَ مِنْ المجاهرةِ بالمعاصِي، فَمَا ظلمَ عبدٌ نفسَهُ، بمثلِ استعلانِه واستعلائِه بالإثمِ والآثامِ، وقدْ دلَّتْ نصوصُ الوحيينِ علَى أنَّ المعاصِي الخفيَّةَ أخفُّ جرمًا وإثمًا من المعاصِي المستعلنةِ، ففِي محكَمِ التَّنزيلِ يقولُ اللهُ سبحانهُ: {لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148]، ويقولُ المصطفَى (: ((كلُّ أمَّتِي معافًى إلاَّ المجاهرينَ، وإنَّ مِنَ المجاهَرةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيلِ عملاً، ثمَّ يُصْبِحُ وقدْ سَتَرهُ اللهُ، فيقولُ: يا فلانُ عمِلْتُ البارحةَ كذَا وكذَا، وقدْ باتَ يستُره ربُّه ويصبحُ يكشِفُ سِتْرَ اللهِ عنهُ))؛ أخرجه البخاري في صحيحه.

بلْ ربَّما كانَ تستُّر العبدُ بمعصيتِهِ سببًا لعفوِ اللهِ ومغفرتهِ، ((إنَّ الله يدنِي المؤمنَ، فيضعُ عليهِ كَنَفَهُ ويَسْتُرُه، فيقولُ: أتعرفُ ذنبَ كذَا، أتعرفُ ذنبَ كذَا؟ فيقولُ: نعمْ أيْ ربِّ، حتَّى إذاَ قرَّرَهُ بذنوبِه، ورأى فِي نفسِه أنَّهُ هلكَ، قالَ اللهٌ لهُ: سترتُها عليكَ فِي الدنيَا، وأنَا أغفرُها لكَ اليومَ))؛ متَّفق عليه.

أقوُلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلكُم وَلسَائرِ المُسلِمينَ مِنْ كُلِ ذَنْبٍ وَخطيئةٍ، فَاستغفِرُوهُ، إنَّهُ هَوَ الغفورُ الرَحِيمُ.

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً أمَّا بعدُ: 

يا مَنْ آلمَهُ ذنبُهُ، وأقلقتْهُ خطيئتُه، لا تقنطْ مِنْ رحْمةِ اللهِ، ولَا تيأسْ مِنْ رَوْحِ اللهِ؛ {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، اسمعْ يا مَنْ استكثرَ ذنوبَهُ، واستثقلَ معاصيهِ، اسمعْ لنداءِ الملكِ الكريمِ الغنيِّ يناديكَ فيقولُ: ((يا ابنَ آدَم، لوْ بلغتْ ذنوبُكَ عنانَ السَّماءِ، ثمَّ استغفرْتَني غفرتُ لكَ ولَا أُبَالِي)).

ذنبٌ تكادُ السمواتُ يتفطَّرنَ منهُ وتنشقُّ الأرضُ وتخرُّ الجبالُ هدًّا، حينمَا زعَم النَّصارَى أنَّ عيسَى ابنُ اللهِ، ومعْ ذلكَ يناديهِم ربُهم، و يحضُهُم علَى التوبةِ، ويعدُهُم بالمغفرةِ فيقولُ: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 74].

شيخٌ كبيرٌ هرمٌ، قدْ احدَوْدَبَ ظهرُه، وابيضَّ شعرُه، وسقطَ حاجبَاه علَى عينَيْهِ، يجرُّ خطواتُه نحوَ المصطفَى ( قدْ علاهُ الأسَى، وامتلأَ قلبُهُ مِنَ الرَّجاءِ، فيقِفُ علَى رأسِ النبِي ( فيقولُ: يا رسولَ اللهِ، شيخٌ غدرَ وفَجرَ، ولمْ يدعْ حاجةً ولَا داجةً، إلاَّ اقتطفَهَا بيمينِه، لَوْ قُسمَتْ ذنوبُه بينَ أهْلِ الأرضِ لأوبقتْهُمْ، فهَلْ لهُ مِنْ توبةٍ؟ فقالَ النَّبيُّ (: ((أسلَمْتَ؟)) قالَ: أمَّا أنَا فأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ،، فقالَ لهُ النَّبيُّ (: ((فإنَّ اللهَ غافرٌ لكَ مَا كنتَ كذلكَ، ومبدِّلٌ سيّئاتِكَ حسناتٍ))، فقالَ: يَا رسولَ اللهِ، وغدراتِي وفجراتِي، فقالَ: ((وغدراتُكَ وفجراتُكَ))، فأدبَرَ الرَّجُلُ وهوَ يُكبِّرُ ويهلِّلُ مِنْ شدةِ الفرَحِ حتَّى توارَى عنْ أعينِ النَّاسِ.

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

هذا وصلُّوا وسلّمُوا علَى خيرِ البريَّةِ وأزكَى البشريَّةِ محمدً بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمّيِّ. 

اللهمَّ صلِّ وسلّمْ وباركْ علَى عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ، وعلَى آلهِ وصحبهِ ومَنْ تبعَهُم بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ. 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ والْمُسْلِمِينَ وَأَذِّلَ الشِّرْكَ والْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبِنَا مِنْ النِّفَاقِ وَأَعْمَالِنَا مِنْ الرِّيَاءِ وألسنتنا مِنْ الْكَذِبِ وأعيننا مِنْ الْخِيَانَةِ فَإِنَّك تَعْلَم خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ 

اللَّهُمَّ اشْغَلِ أَلْسِنَتِنَا بِذِكْرِك يَا رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ الْمُسْتَغْفِرِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ الذَّاكِرِين لَك كثيراً 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذُنُوبَنَا، وَاسْتُرْ عُيُوبَنَا، وَيَسِّرْ أُمُورَنَا، وَبَلِّغْنَا فِيمَا يُرْضِيكَ آمَالَنَا، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا، وَارْحَمْهُم كَمَا رَبَّوْنَا صِغَارًا

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

عن الكاتب

عبدالغفار العماوي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

موقع الشيخ عبدالغفار العماوي