قِصَّة الْخَسَارَة
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عِمْرَان : 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاء : 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَاب : 70-71].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون : سَعَى فِي طَلَبِ المَال، وكابَدَ فِي سَبِيْلِ الكَسْبِ، وضَارَبَ فِي أَبَوابِ التِجارَة، غَامَرَ فِي طَلَبِ المَالِ وخاطَر، وارْتَحَلَ فِي سَبِيْلِهِ وسافَر، فَما لاحَتْ لَهُ فُرْصَةٌ للاسْتِثْمارِ إِلا اسْتَثْمَرَها، ولا سَنَحَتْ لَهُ سانِحَةٌ للكَسْبِ إِلا ابْتَدَرَها، أَجْهَدَ فِي طَلَبِ المالِ نَفْسَهُ، وأَفنَى فِي سَبِيْلِ الكَسْبِ عُمْرَهُ، هَجَرَ لأَجْلِ التِجارَةِ كَثِيْراً مِنْ مُتَعِ الحَياةِ، وجَفَا لأَجْلِها كَثَيْراً مِنْ مُشْتَهَياتِ النَّفْس، آثَرَ الكَدَّ والكَدْحَ والنَّصَب.
نَمَتْ تِجارَتُهُ، وتَضَاعَفَتْ ثَرْوَتُهُ، وامْتَدَّ غِناه، وَصارَ يُشارُ إِليهِ فِي عِدادِ المُوسِرِيْن، وبَاتَ مَسْرُوراً يَتَقَلَّبُ فِي غِناه، يَتَمَتَّعُ بالثَراءِ تَمَتُّعَ المُتْرَفِيْن، وُفِّي مُنْعَطَفٍ مِنْ مُنْعَطَفاتِ التِجارَةِ، كَبا؛ فَتَوالَتْ عَليهِ النَكَبات، وتَعَثَّرَ، فَتتابَعَتْ عَلَيهِ التَبِعات، وخَسِرَ، فَكَثُرَتْ عَليه المُطَالَبات، تَراكَمَتْ عليهِ الدُّيُونُ، وكَثُرَ بِبابِهِ الغُرَماءُ، وطَالَبَهُ بالوَفاءِ الدائِنُون؛ فَصُودِرَتْ أَموالُهُ، وفُرِّقَتْ فِي الغُرَماءِ أَملاكُهُ، وأصْبحَ مَن الثراءِ صِفْر اليدَيْن، فَقَد تَجارَةً أَفْنَى العُمْرَ فِي تَحْصِيٍلها، وسُلِبَ ثَرْوَةٌ أَفنَى الحَياةَ فِي جَمْعِها.
فَما أَفْجَعَ ضِيْقَ العَيْشِ بَعد اتِّساعِه، وما أَخشَنَ عُسْرَ الحَياةِ بَعدَ يُسْرِها، وما أَوجَعَ فَقْدَ المَالِ بَعْدَ امْتِلاكِه!.
إِنَّها "قِصَّةُ خَسَارَةٍ" مُؤْلِمَةٍ، وإِنَّها الأَمثالُ، وما يَعِيْ الأَمْثَالَ إِلا مَنْ عَقَل، وإِنَّها الذِكْرَى، وما يَفَقْهُ الذِكْرَى إِلا مَنْ وعَى، وُفِّي القُرآنِ قَصَصٌ وأَمْثالٌ وعِبَر؛ (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)[الْبَقَرَة : 266].
مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِمَنْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ، وَاسْتَكْثَرَ مِنَ الحَسَناتِ، وتَزَوَّدَ مِنْ القُرُباتِ، ثُمَّ أَتْبَعَها بِما يُفْسِدُها، وخَلَطَها بِما يُحْبِطُها، وأَعْقَبَها بِمَا يُبَدِّدُها، شِرْكٌ أَو رِيَاءٌ، أَو سُمْعَةٌ أَو عُجْبٌ، أَو ظُلْمٌ أَو عُدْوان، أَو مَنٌّ أَو أَذَى، أَو غَيْرها مِما يَمْحَقُ الحَسَنَاتِ ويُفَرِّقُها، فَضَاعَتْ الحَسَناتُ أَحْوَجَ مَا كَانَ صَاحبُها إِليها، حَالُهُ كَحالِ صَاحبِ هذهِ المَزْرَعَةِ الَّتِي اجْتَهَد صَاحِبُها فِي تَهْيِئَتِها، وتَعِبَ فِي تأسِيسِها، يُؤَمِلُها لِوَقتِ حَاجَتِه، ويَدَّخِرُها لِسِنِيْنِ ضَعْفِه، ويُرَجِّيْها لوَقْتِ عَناه، فَلَمَّا طَابَ ثَمَرُها، وزانَ شَجَرُها، وحَسُنَ نَماؤُها، وسَهُلَ مَسْقاها، وآلَتْ حياتُهُ إِلى الكِبَرِ، وصَارَ لَهُ ذُرِيَّةٌ ضُعفاءُ، وكانَ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِليها؛ (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) فَأَصْبَحَتْ كَصَّرِيْمِ، محْتَرِقَةً سَوداءَ كالليلِ البَهِيْم، تَلاشَتِ الآمالُ وحَلَّ بَعْدَها كُلُّ أَلَم!.
قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ -رَحِمَه اللهُ-: "هَذَا مَثَلٌ، قَلَّ -وَاللهِ- مَنْ يَعْقِلُهُ مِنَ النَّاسِ، شَيْخٌ كَبِيْرٌ ضَعُفَ جِسْمُهُ وَكَثُرَ صِبْيَانُهُ، أَفْقَرَ مَا كَانَ إِلى جَنَّتِهِ وَبُسْتَانِهِ، وَإِنّ َأَحَدَكُمْ -وَاللهِ- أَفْقَرَ مَا يَكُوْنُ إِلى عَمَلِهِ إِذَا انْقَطَعَتْ عَنْهُ الدُّنْيَا"
وقَالَ ابْن القَيِّمِ -رَحِمَه اللَّه -: "فَلَو فَكَّرَ العَاقِلُ فِي هَذَا المَثَلِ وَجَعَلَهُ قِبْلَةَ قَلْبِهِ، لَكَفَاهُ وَشَفَاهُ، فَكَذَلِكَ العَبدُ إِذَا عَمِلَ بِطَاعَةِ اللهِ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِمَا يُبْطِلُهَا وَيُحْرِقُهَا مِنْ مَعَاصِي اللهِ، كَانَتْ كَالإِعْصَارِ ذِي النَّارِ المُحْرِقِ لِلجَنّةَ ِالتِيْ غَرَسَهَا بِطَاعَتِهِ وَعَمَلِهِ الصَّالِحِ، فَلَوْ تَصَوَّرَ العَامِلُ هَذَا المَعْنَى حَقَّ تَصَوُّرِهِ، وَتَأَمَّلَهُ كَمَا يَنْبَغِيْ؛ لَمَا سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ -وَاللهِ- إِحْرَاقَ أَعْمَالِهِ الصَّالِـحَةِ وَإِضَاعَتِهَا".
وقَالَ السَّعْدِيُّ -رَحِمَه اللَّه -: "فَلَوْ عَلِمَ الإنسانُ وَتَصَوَّرَ هَذِهِ الحَالَ، وَكانَ لَهُ أَدْنَى مَسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ، لَمْ يُقْدِمْ عَلَى مَا فِيْهِ مَضَرَّتُه وَنِهايةُ حَسْرَتِه؛ وَلِهَذَا خَتَمَ اللهُ الآيةَ بِالأَمْرِ بِالتَّفَكُرِ وَحَثَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)[الْبَقَرَة : 266]".
إِنَّها "قِصَّةُ الخَسَارَةٍ، إِنَّها قِصَّةُ الإِفْلاس، سأَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسُلِّم - أَصْحابَهُ يَوماً، فَقَالَ: "أَتَدْرُوْنَ مَنِ المُفْلِسُ؟"، قَالُوا: المفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرهَمَ لَهُ ولا مَتَاع، فَقَالَ: "إنَّ المُفْلسَ مِنْ أُمَّتي مَنْ يَأَتِيْ يَومَ القيامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكاةٍ، وَيَأَتِيْ وَقَدْ شَتَمَ هَذَا، وقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا؛ فيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وهَذَا مِنْ حَسناتهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَناتُه قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُم فَطُرِحَتْ عَلَيهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"(رَوَاه مُسلم)
(قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الزَّمْر : 15].
** محبطات الأعمال:
1- الشرك بالله تعالى: وإِنَّ أَعْظَمَ مَا يُحْبِطُ الحَسَناتِ الشِّرْكُ باللهِ.
2- الرياء: وإِنَّ أَعظَمَ مَا يَمْحَقُها الرِياءُ فِي عِبادَةِ اللَّه.
3- ظلم العباد: وإِنَّ أَعْظَمَ مَا يُذْهِبُ الحَسَناتِ ظُلْمُ العِبادِ والعُدوانِ عَلَيْهِم ، جُرأَةٌ عَلَى أَعْراضِهِم أَو عَلَى أَموالِهِم، أَو عَلَى مَحارِمِهِم، أَو عَلَى شَيءٍ مِنْ حُقُوقِهِم.
مَظالِمُ يَكُونُ القِصاصُ فِيهَا يَوم القِيامَةِ مِنْ الحَسَنات، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رَضِي اللَّه عَنْه - أَن رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسُلِّم - قَالَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ لَه عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْه بقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ لَه حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْه "(رَوَاه الْبُخَارِيّ ).
وُفِّي القُرآنِ قالَ رَبنا -سُبحانَه-: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)[النَّحْل : 92]، لا تَكُونُوا كَحالِ الـمْرأَةِ الـحَمْقاءَ، الَّتِي تُحْسِنُ الغَزْلَ والخِياطَة، فإِذا مَا أَتَمَّتْ عَمَلَها وأَحْكَمَتْهُ، عادَتْ إِليهِ ونَقَضَتْه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)[مُحَمَّد : 33]، احْفَظَوا مَا غَنِمْتُم، لا تُبْطِلُوا مَا أَثْبَتُّم، فإِن الخاسِرَ مَنْ خَسِرَ يَومَ الْجَزَاء ِ ثَوابَ عَمَلِه؛ (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)[الْفُرْقَان : 23].
أَقُول قَوْلِيّ هَذَا، وأستغفِر اللَّه الْعَظِيم الْجَلِيل لِي وَلِكَم وَلِسَائِر الْمُسْلِمِين مَن كلِّ ذَنَب ، فَاسْتَغْفِرُوه إنَّه هُو الْغَفُور الرَّحِيم .
الْخُطْبَة الثَّانِيَة :
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إلَه إلَّا اللهُ وَلِي الصَّالِحِين ، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رَسُول رَبّ الْعَالَمِين ، صَلَّى اللَّه وَسُلِّم وبارك عَلَيْه وَعَلَى آلِه وَأَصْحَابه أَجْمَعِين ، وَسُلِّم تسليماً.
أَمَّا بَعْد : فَاتَّقُوا اللَّه -عِبَاد اللَّه - لَعَلَّكُم تُرْحَمُون .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون : الحِفاظُ عَلَى صَالحِ الأَعمالِ، والحَذَرُ مِنْ أَسْبابِ فَسادِها، والخَوفُ مِنْ موجِباتِ رَدِّها، مِنْ أَعْظَمِ العِباداتِ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِها عِبادُ اللهِ المُخْلَصِين؛ (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)[الْمُؤْمِنُون : 57 - 61].
قَالَتْ عائِشَةُ -رَضي اللَّه عَنْهَا -: سَأَلْتُ رَسُوْلَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- عَن هذِهِ الآيةِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، أَهُمُ الَّذينَ يَشْرَبُوْنَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُوْنَ؟
قَالَ: "لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يَصُوْمُوْنَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُوْنَ، وَهُم يخافونَ أَنْ لا تُقبَلَ مِنْهُم، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ"(رَوَاه التِّرْمِذِيّ ).
لَيَسُ سُوءُ ظَنٍّ بِرَبِهِم، ولكِنَّهُ سُوءُ ظَنٍّ بأَنْفُسِهِم، يَخْشَونَ أَنْ يَكُونُوا قَد اقْتَرَفُوا مَا يُوجِبُّ رَدَّ أَعْمَالِهِم أَو حُبُوطِها، خَوْفٌ أَعانَهُم عَلَى إِصْلاحِ أَنْفُسِهِم، وكَفِها عَنْ أَهوائِها.
وكَما يُحافِظُ المُسْلِمُ عَلَى أَعْمالِهِ الصَالحةِ مِنَ الفَسادِ، فإِنَّهُ يَحافِظُ عَلَى أَعْمالِهِ الصَالحةِ مِنْ الغِيَاب، يُتْبِعُ الحَسَنَةَ الحَسَنَةَ، ويُرْدِفُ الطَاعَةَ أُخْتَها، لا يَنْفَتِلُ مِنْ عَمَلِ طَاعَةٍ إِلا شَرَعَ فِي عَمَلِ طاعَةٍ أُخرَى، يَتَتَبَعُ رِضْوانَ اللهِ، يَسْتَثْمِرُ أَوْقَاتَ عُمْرِه، وأَوْلِياءُ اللهِ المُقَرَّبِيْن مَنْ أَدُوا فَرائِضَ اللهِ، ثُمَّ شَرَعُوا فِي التَزَوُّدِ مِن نَوافِلِ العِبادَات، يُحِبُهُم اللهُ ويَرْضَى عَنْهُم، وُفِّي الحَدِيْثِ القُدْسِيِّ قالَ اللهُ -سُبْحانَهُ-: "وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ، وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه"(رَوَاه الْبُخَارِيّ).
اللَّهُمّ إنَّا نَسْأَلُك الْهُدَى وَالتُّقى، وَالْعَفَاف وَالغِنى، اللهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك حُبَّك وحُبَّ عَمَلٍ يُقرِّبْنا إِلَى حُبِّك، اللهُمَّ حبِّب إلَيْنَا الْإِيمَان وزيِّنه فِي قُلُوبِنَا، وكرِّه إلَيْنَا الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان ، وَاجْعَلْنَا مَن الرَّاشِدِين ، اللَّهُمّ احْفَظْنَا بِحِفْظِك، ووفِّقْنا إِلَى طَاعَتِك، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِك، وارزُقْنا مَن رِزْقِك الْوَاسِع ، وتفضَّل عَلَيْنَا مَن فَضْلِك الْعَظِيم ، اللَّهُمّ آتِ نفوسَنا تَقْوَاهَا، وزكِّها أَنْت خَيْر مَن زكَّاها، أَنْت وليُّها وَمَوْلَاهَا ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، يَا ذَا الجـلَالِ، والإِكْرامِ ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللَّهُمّ أعِزَّ الإسَلْام وَالْمُسْلِمَيْن ، وأذِلَّ الشِّرْك وَالمُشَرِكِيْن، وَانْصُر عِبَادَك الْمُجَاهِدِين ، وَدَمِّر أَعْدَاء الدّيْن، وَاِحْمِ حَوْزَةَ الدِّيْنِ، وَاِجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنَّاً وَسَائِرَ بِلَادِ الـمُسْلِمِيِنَ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلاَيَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.
اللَّهُمّ اغْفِر لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وللمسلمين وَالْمُسْلِمَات الْأَحْيَاء مِنْهُم وَالْأَمْوَات بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَم الرَّاحِمِين ، اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِيْنَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِيْنَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِيْنَ، وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ، وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُم يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ الْطُفْ بِإِخْوَانِنَا فِي غَزَّةَ وَفِلِسْطِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْمُعْتَدِينَ، وَأَعْوَانِهِمْ مِنَ الْكَفَرَةِ وَالْخَوَنَةِ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصَّافَّات : 180 - 182].
