موقع الشيخ عبدالغفار العماوي

أدعو إلى الله على بصيرة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

التسويف! خطبة الجمعة مكتوبة

 التَّسْوِيف

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إنَّ الحَمْدَ لِله، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، ونَستَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إلَيْه ، مَنْ يَهدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فأُوصِيكُم ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ ﷻ، فَهِيَ سَبَبٌ لِلأَجرِ العظِيم، والخيرِ العَمِيم ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ رَأْسُ مَالِ المَفَالِيْس، وجُنْدٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيْس؛ إِنَّهُ التَّسْوِيْف.

فَإنَّ مِنْ أَعظَمِ أَسلِحَةِ الشيطَان: التسويفُ والخِذلان، قَال تَعَالَى : ﴿وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا* وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾.  

قَال الإمَاْم ابنُ كَثِير رَحِمَه اللَّه: (﴿وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾: أَيْ أُزَيِّنُ لَهُم تَرْكَ التَّوْبَةِ، وأَعِدُهُمُ الأمانِيَ، وآمُرُهُمْ بِالتَّسْوِيفِ).

ومِنْ أدويةِ التسوِيف: نَبْذُ الكَسَلِ، والتشميرُ بِالجِدِّ والعَمَل؛ قَال تَعَالَى : ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وَقَال ﷺ: (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ).

 قَال الإمَاْم ابنُ القَيِّم رَحِمَه اللَّه : (الجِدُّ: هُوَ صِدْقُ العملِ، وإخلاصُهُ مِنْ شوائبِ التسويفِ؛ فَهِيَ أَضَرُّ شيءٍ عَلَى العبدِ، وهِيَ شَجَرَةٌ ثَمَرُهَا الخُسرَانُ).

ومِنْ أعظمِ أدويةِ التسوِيف: ذِكْرُ الْمَوْت، والمُبَادَرَةُ بالتوبَة؛ قبلَ هُجُومِ المَنِيَّة، وفَوَاتِ الأُمنِيَةِ! 

قَال ﷺ: (إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ؛ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّع). 

قَال ابنُ الجوزِي رَحِمَه اللَّه : (وهذَا نهايةُ الدواءِ لِهَذَا الدَّاء ؛ فإنَّهُ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لا يَبْقَى إِلَى صَلاةٍ أُخرَى؛ جَدَّ واجْتَهَد)

ومِنْ أدويةِ التَّسْوِيف : تَقصِيرُ الأَمَل؛ لِأَنَّ طُولَ الأَمَلِ يَبْعَثُ عَلَى التكاسُلِ والتسويفِ، ورُبَّما اخْتَطَفَهُ الأَجَل، قبلَ إصلاحِ العَمَل، قَال تَعَالَى -فِي وَصَفّ الْغَافِلِين -: ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.

ومِنْ أدويةِ التسويفِ: الاِلتِجَاءُ إِلَى اللهِ؛ فَإِنَّ مِنْ أدعيةِ النبيِّ ﷺ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ). قَال الإمَاْم النَّوَوِيّ رَحِمَه اللَّه : (أَمَّا العَجْزُ: فَعَدَمُ القُدرةِ عَلَى الْخَيْر ، وقيلَ: هُو تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ، والتسويفُ بِهِ، وكلاهُمَا تُسْتَحَبُّ الإِعَاذَةُ مِنْهُ).

ومِنْ علاجِ التسوِيف: تَرْكُ الأَمَانِي؛ فَهِي تُخَدِّرُ الهِمَم، وتَدْفَعُ النِّعَم، قَال ﷺ: (العَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وتَمَنَّى عَلَى اللَّه ).

 قَال ابنُ القَيِّم رَحِمَه اللَّه : (المُتَمَنِّي مِنْ أَعجَزِ الناسِ وأَفلَسِهِم؛ فإنَّ التَّمَنِّيَ: رَأْسُ أَمْوَالِ المَفَالِيسِ، والعَجْزُ: مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ، ولا يَرْضَى بالأَمَانِيِّ عنِ الحقائِقِ؛ إِلَّا ذَوُو النفوسِ الدنِيئةِ الساقِطَةِ).

ومِنْ أدويةِ التَّسْوِيف : تَرْكُ الإصرارِ عَلَى الْمَعَاصِي؛ قَال تَعَالَى -فِي وَصَفّ الْمُتَّقِين -: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. 

قال القُرطُبِي : (الإصرارُ: هُوَ التسويفُ، والتسويفُ أَنْ يَقُولَ: "أَتُوبُ غَدًا"، وَهَذًّا دعوَى النَّفْس، كيفَ يتوبُ غدًا، وغدًا لا يَمْلِكُهُ؟). 

قَال الحَسَن : (إِيَّاكَ والتسويفَ؛ فَإِنَّكَ بِيَوْمِكِ ولَسْتَ بِغَدِك).

أَقُولُ قَولِي هَذَا، وأستَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمدُ للهِ عَلَى إِحسَانِه، والشُّكرُ لَهُ عَلَى توفِيقِهِ وامتِنَانِه، وأَشْهَدُ أَن لا إلهَ إِلَّا اللَّه، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُه، صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.   أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللَّه : مِنْ كَمَالِ العَقْل: تَرْكُ التَّسْوِيف، والنظَرُ فِي العَوَاقِب؛ قَال العُلَماء: (مَنْ لا يَسْتَعِدُّ لَمَّا يجُوزُ وُقُوْعُه؛ فليسَ بِكَامِلِ العَقْل، مِثلَ: أنْ يَغْتَرَّ بِشَبَابِه، ويُسَوِّفَ التَّوْبَة، فَرُبَّما أُخِذَ بَغْتَةً؛ فَإِنَّ الزَّمَانَ يَنْقَضِي بالتَّسْوِيف، ويَفُوتُ الْمَقْصُود ).

ومَنْ تَمَادَى فِي تَسَويْفِ الخَير؛ فَقَدْ يُعَاقَبُ بِحِرْمَانِه، قَال ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾. 

قَال ابنُ القَيِّم رَحِمَه اللَّه : (اللهُ يُعَاقِبُ مَنْ فَتَحَ لَهُ بَابًا مِنَ الخَيرِ فَلَمْ يَنْتَهِزْهُ، بِأَنْ يَحُولَ بَيْنَ قَلْبِهِ وإِرَادَتِهِ؛ عُقُوبَةً لَهُ! 

فَمَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لِله ورَسُولِهِ إِذَا دَعَاهُ؛ حَالَ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَلْبِهِ وإِرَادَتِهِ؛ فَلا يُمْكِنُهُ الاستِجَابَةُ بَعْدَ ذلكَ).

فَقَصِّرُوا الأَمَل، وبادِرُوا بالعَمَل، قَبْلَ حُلُولِ الأَجَل ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّم وزِدْ وبارِكْ عَلَى نبيِّكَ مُحَمْدٍ ﷺ، اللَّهُمَّ احْشُرْنا فِي زُمْرَتِه، وأَدْخِلْنَا فِي شفاعتِه، وأَحْيِنَا عَلَى سُنَّتِه، وتوفَّنَا عَلَى مِلَّتِه، وأَوْرِثْنَا عِلْمَه، وأَوْرِدْنَا حوضَه، وأَسْقِنَا بكأسِه شَرْبَةً لا نظمأُ بعدَها أبدًا، وارْزُقْنَا مُرافَقتَهُ فِي الفردوسِ الْأَعْلَى.

اللَّهُمَّ ارضَ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِين: أَبِي بَكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وَعَنّ الصحابةِ والتابعِين، ومَن تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ إِلَى يومِ الدِّين.

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَأَكْلَأْنَا بِرِعَايَتِكَ، وَاحْطِنَا بِعِنَايَتِكَ، اللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى، وَجَنِّبْنَا الْعُسْرَى. 

وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ. 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَامْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَأَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُّرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلامَ والمُسلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّركَ والمُشرِكِين، وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ , اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ فِي نَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَى نَحْرِهِ، وَاجْعَلُهُ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهمُومِينَ، ونَفِّسْ كَرْبَ المَكرُوبِين، واقْضِ الدَّينَ عَنِ المَدِينِين، واشْفِ مَرضَى الْمُسْلِمِين .

عِبَادَ اللَّه : ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

فَاذكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُم، واشكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم ﴿ولَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

التسويف! خطبة الجمعة مكتوبة


عن الكاتب

عبدالغفار العماوي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

موقع الشيخ عبدالغفار العماوي