موقع الشيخ عبدالغفار العماوي

أدعو إلى الله على بصيرة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الثبات على الطاعات | خطبة الجمعة مكتوبة

 الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَمَرَ عِبَادَهُ بِدَوَامِ الطَّاعَةِ وَالاِسْتِقَامَةِ، وَبَشَّرَ الَّذِينَ قَالُوا: رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا بِالْفَوْزِ وَالْكَرَامَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَبْتَغِي بِهَا النَّجَاةَ والْفَلاَحَ وَالسَّلاَمَةَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، عَبَدَ مَوْلاَهُ حَتَّى تَفَطَّرَتْ قَدَمَاهُ بِلاَ ضَجَرٍ وَلاَ سَآمَةٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ خَافُوا رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَعَمِلُوا لِيَوْمٍ تَزْدَادُ فِيهِ الْحَسْرَةُ وَالنَّدَامَةُ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ  - عِبَادَ اللهِ - وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ اتَّقُوا اللهَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَاجْتَنِبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى طَاعَتِهِ فِي كُلِّ زَمَنٍ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [الأحزاب 70 – 71]. 

 أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ: لَقَدِ انْقَضَى شَهْرُ رَمَضَانَ بِأَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ وَمَا اسْتَوْدَعَهُ الـمُؤْمِنُ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ, وَلَئِنْ كانَ ذَلِكَ مَوْسِماً عَظِيماً مِنْ مَواسِمِ الخَيْرِ والطَّاعَةِ فَإِنَّ الزَّمانَ كُلَّهُ فُرْصَةٌ لِلْخَيْرِ وَالتَّزَوُّدِ لِلدَّارِ الآخِرَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) [البقرة:197].

فَلَيْسَتِ العِبَادَةُ خَاصَّةً بِشَهْرِ رَمَضَانَ بَلِ الحَيَاةُ كُلُّهَا عِبَادَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى:( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )[الأنعام:162-163].

وَقَالَ جَلَّ وعَلَا لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )[الحجر:99].

 قَالَ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَالْـمُرَادُ اسْتِمْرَارُ العِبَادَةِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ, كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا )[مريم:31].

مَعَاشِرَ الـمُسْلِمِينَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الـمُدَاوَمَةَ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ وَالاِسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ أُمُّ الـمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَعَنْهَا أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا؛ فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

وَلَقَدِ امْتَثَلَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ هَذَا التَّوْجِيهَ النَّبَوِيَّ الـمُبَارَكَ, فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى (وَهِيَ آلَةُ طَحْنِ الحُبُوبِ)، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: فَجَاءَنَا، وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا، فَسَبِّحَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ»، وَفِي زِيَادَةٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ  قَالَ عَلِيٌّ: «فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا لَيْلَةَ صِفِّينَ فَإِنِّي ذَكَرْتُهَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَقُلْتُهَا».

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ وَسَائِلِ الشَّيْطَانِ ومَدَاخِلِهِ عَلَى العَبْدِ الـمُؤْمِنِ أَنْ يَجْعَلَهُ يُعْجَبُ بِعَمَلِهِ وَيَغْتَرُّ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَيَهْلَكَ بِذَلِكَ , فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْـمَرْءِ بنفْسِهِ» [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

وكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَحِمَهُمُ اللهُ حِينَ يَنْتَهِي رَمَضَانُ يُصِيبُهُمُ الـهَمُّ والوَجَلُ، وَلِسَانُ حَالِهِمْ: هَلْ تَقَبَّلَ اللهُ العَمَلَ مِنَّا فَنَفْرَحَ أَمْ لَا؟ فَهُمْ كَمَا وَصَفَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:60-61]، يَعْمَلُونَ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَيَخافُونَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِمْ, قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «يَا رَسُولَ اللهِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْـخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَـخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أَوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الـخَيْرَاتِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]. 

فَاحْذَرْ يَا عَبْدَ اللهِ مِنَ الإِعْجَابِ بِعَمَلِكَ، أَوِ الْـمَنِّ عَلَى اللهِ تَعَالَى بِمَا قَدَّمْتَهُ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَهُوَ مِنْ مُحْبِطَاتِ الأَعْمَالِ.

عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ رَجُلاً يُـجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى أَنْ يَمُوتَ هَرَمًا فِي مَرْضَاةِ اللهِ تَعَالَى لَحَقَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].

فَهَذا العَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي قَدَّمْتَهُ لَا يُسَاوِي شَيْئًا مُقَابِلَ نِعَمِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى, فَاحْمَدِ اللهَ وَأَكْثِرْ مِنْ شُكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْكَ وَهَدَاكَ لِهَذَا الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَاسْأَلِ اللهَ تَعَالَى الْقَبُولَ.

واعْلَمْ أَنَّ اسْتِمْرَارَكَ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبابِ حُسْنِ الـخَاتِمَةِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

أَيُّهَا الـمُؤْمِنُونَ: إِيَّاكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ إِلَّا فِي رَمَضَانَ, يَـجْتَهِدُونَ فِيهِ بِالصِّيَامِ وَالبُعْدِ عَنِ الـمَعَاصِي وَيُحافِظُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الـمَفْرُوضَةِ والنَّافِلَةِ، فَإِذَا انْتَهَى رَمَضَانُ عَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وهَجَرَ كِتَابَ اللهِ، وَفِي حَقِّ أُولَئِكَ يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) [النحل:92].

قَالَ مُجَاهِدٌ وقَتَادَةُ رَحِمَهُمَا اللهُ: هَذَا مَثَلٌ لِـمَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ بَعْدَ تَوْكِيدِهِ ومَعْنَاهُ: أَنَّ العَمَلَ لَا يَكُونُ لَهُ ثَمَرَةٌ وَلَا نَتِيجَةٌ إِلَّا التَّعَبَ والنَّصَبَ، نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ.

فَاجْعَلُوا أَيَّامَكُمْ وَلَيَالِيَكُمْ كُلَّهَا كَأَيَّامِ رَمَضَانَ فِي تَعَلُّقِ القُلُوبِ بِاللهِ تَعَالَى ودُعَائِهِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِهِ، وَالـمُحَافَظَةِ عَلَى الفَرَائِضِ وَإِتْبَاعِهَا بِالنَّوَافِلِ، ومُلَازَمَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ قِرَاءَةً وَتَدَبُّراً وعَمَلاً.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [هود:112].

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْـحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِـمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ وَالـمُرْسَلِينَ نَبِيِّنا مُـحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنَ العِبَادَاتِ الـجَلِيلَةِ وَالنَّوَافِلِ الـمُسْتَحَبَّةِ - أَيُّهَا الـمُسْلِمُونَ-: صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ؛ فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

فَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَمِنْ نَوَافِلِ الصِّيَامِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَجْرَهُ كَمَنْ صَامَ سَنَةً كَامِلَةً.

مَعَاشِرَ الـمُسْلِمِينَ: وَلَعَلَّ مِنَ الحِكَمِ العَظِيمَةِ في مَشْرُوعِيَّتِهَا: أَنَّ فِي صِيَامِهَا شُكْراً للهِ تَعَالَى علَى تَوْفِيقِهِ لِصِيَامِ رَمَضَانَ, وَزِيادَةً فِي الـخَيْرِ, وعَلَامَةً مِنْ عَلَامَاتِ قَـبُولِ العَمَلِ؛ فَإِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا إِذَا تَقَبَّلَ عَمَلَ الـمُؤْمِنِ وَفَّقَهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ بَعْدَهُ؛ قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) [النمل:89].

وَلَا يَلْزَمُ -يَا عِبَادَ اللهِ- صِيَامُهَا بَعْدَ عِيدِ الفِطْرِ مُبَاشَرَةً بَلْ يَجُوزُ صِيَامُهَا بَعْدَ العِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ، أَوْ صِيَامُهَا مُتَتَالِيَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي شَهْرِ شَوَّالٍ، سَوَاءٌ فِي أَوَّلِهِ أَوْ أَوْسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، حَسَبَ القُدْرَةِ وَمَا يَتَـيَسَّرُ لِلْعَبْدِ الـمُؤْمِنِ، وَالأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ، والأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ يَشْرَعُ بِصِيامِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ.

فَاحْرِصُوا عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ الـمُبَارَكَةِ، واسْتَمِرُّوا علَى طَاعَةِ اللهِ، وبَادِرُوا إِلَيْهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران:133] نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَـجْعَلَنَا مِنْهُمْ.

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا. 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنْدَكَ الْمُوَحِّدِينَ. 


الثبات على الطاعات


عن الكاتب

عبدالغفار العماوي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

موقع الشيخ عبدالغفار العماوي