موقع الشيخ عبدالغفار العماوي

أدعو إلى الله على بصيرة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

خطبة عيد الفطر مكتوبة

 عناصر الخطبة

1- يوم العيد يوم الجوائز

2- عظمة التكبير

3- الحكمة من مشروعية العيد

4- مصدر عز الأمة الإسلامية

5- التحذير من العودة للمعاصي

6- التسامح والتصالح وترك الهجر والتقاطع وفضيلة العفو

7 -صيام ست من شوال

8- موعظة للنساء


الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَتَمَّ عَلَيْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَوَفَّقَ فِيهِ مَنْ شَاءَ لِلصِّيَامِ وَالْقِيَامِ بِاحْتِسَابٍ وَإِيمَانٍ، وَدَلَّ عَلَى أَسْبَابِ الْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، وَالظَّفَرِ بِنَعِيمِ الْجِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْقَائِلُ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن:60]، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالسُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ، وَالدَّاعِي لِلْهُدَى وَالرِّضْوَانِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَعْيَانِ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَ الزَّمَانُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، يَا مَنْ قَضَيْتُمْ شَهْرَكُمْ صَائِمِينَ قَائِمِينَ، وَإِلَى أَنْوَاعِ الطَّاعَةِ مُسَارِعِينَ، وَأَبْشِرُوا بِمَوْعُودِ اللهِ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ، ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) [التوبة:112].

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً.

تَضِجُّ الأَرْضُ الْيَوْمَ بِالتَّكْبِيرِ، وَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ كَلِمَةٍ لَوْ عَقَلْنَاهَا! فَاللهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلاَ يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، فَالسَّمَاوَاتُ بِعَظَمَتِهَا، وَالْجِبَالُ بِصَلاَبَتِهَا، وَالأَرْضُ بِسَعَتِهَا، وَالْبَحرُ وَمَا حَوَى، وَالْبَرُّ وَمَا آوَى، وَالْجَوُّ وَمَا أَوْعَى، وَالْمَلاَئِكَةُ عَلَى عَظِيمِ خَلْقِهِمْ، وَالشَّمْسُ عَلَى عَظِيمِ نُورِهَا، وَالْقَمَرُ عَلَى جَمَالِ خَلْقِهِ، مَا هِيَ إِلاَّ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَاللهُ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ، فَمَنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَتَجَبَّرُ عَلَى رَبِّهِ وَيَتَكَبَّرُ؟! (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) [الإسراء:111].

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ لَحْظَةَ الْفِرَاقِ أَلِيمَةٌ؛ لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمُوَدَّعُ عَزِيزاً حَمِيماً، كَمَوْسِمِنَا الْمُبَارَكِ الَّذِي وَدَّعْنَاهُ، فَفِيهِ قَدْ عَظُمَتِ الْهِبَاتُ، وَأُقِيلَتِ الْعَثَرَاتُ، وَغُفِرَتِ الْخَطَايَا وَالأَوْزَارُ، وَأُعْتِقَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّارِ، فَقُلُوبُ الْمُتَّقِينَ مِنْ أَلَمِ فِرَاقِهِ تَئِنُّ، وَإِلَى رُجُوعِهِ تَشْتَاقُ وَتَحِنُّ، وَإِذَا كَانَ هَذَا وَجَلَ مَنْ رَبِحَ فِيهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ خَسِرَ أَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ؟!.

إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ الْجَوَائِزِ، فَالْيَوْمَ يَفْرَحُ مَنْ صَامَ فَصَانَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى فَأْحَسَنَ الصَّلاَةَ وَالْقِيَامَ، وَأَدَّى سَائِرَ الطَّاعَاتِ بِصِدْقٍ وَاتِّبَاعٍ وَيَقِينٍ، فَهَنِيئاً لِمَنْ كَانَ مِنَ الْمَقْبُولِينَ، فَكُتِبَ فِي الْمَرْحُومِينَ، وَيَالَتَعَاسَةِ الْمَطْرُودِينَ، السَّائِرِينَ فِي رِكَابِ الْمَحْرُومِينَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[المائدة:27].

 دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَوْمَ عِيدٍ، فَوَجَدَهُ يَأْكُلُ خُبْزاً فِيهِ خُشُونَةٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَوْمُ عِيدٍ وَخُبْزٌ خَشِنٌ ؟!

 فَقَالَ رضي الله عنه: «الْيَوْمَ عِيدُ مَنْ قُبِلَ بِالأَمْسِ صِيَامُهُ وَقِيَامُهُ، عِيدُ مَنْ غُفِرَ ذَنْبُهُ، وَشُكِرَ سَعْيُهُ، وقُبِلَ عَمَلُهُ، الْيَوْمَ لَنَا عِيدٌ، وَغَداً لَنَا عِيدٌ، وَكُلُّ يَوْمٍ لاَ نَعْصِي اللهَ فِيهِ فَهُوَ لَنَا عِيدٌ».

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

أيُّها الْمُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمَاتُ:

إِنَّ فَرْحَةَ الْعِيدِ تَتَجَلَّى فِي اجْتِمَاعِ الأَبْدَانِ، وَتَصَافُحِ الأَيْدِي وَالأَعْنَاقِ، لَكِنَّ الْفَرْحَةَ لَنْ تَتِمَّ، وَالْعِيدَ لَنْ يَزْدَانَ إِلاَّ بِاجْتِمَاعِ الْقُلُوبِ، وَتَصَافِي النُّفُوسِ، أَلاَ فَلْيَكُنْ شِعَارُنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [الحجرات:10]، فَيَا لَهَا مِنْ فُرْصَةٍ لِلتَّوَاصُلِ وَالتَّسَامُحِ، فَنَصِلُ أَرْحَاماً قَصَّرْنَا فِي وَصْلِهَا، وَنَعْفُو عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْنَا، وَنَنْبِذُ عَنْ قُلُوبِنَا الْحَسَدَ وَالْبَغْضَاءَ، وَنُعِيدُ لِوُجُوهِنَا الْبَهْجَةَ وَالصَّفَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الْعِيدِ؛ فَمَتَى يَكُونُ؟!.

مَعْشَرَ الْكِرَامِ:

لَئِنْ مَرَّ الْعِيدُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ آمِنُونَ مُطْمَئِنُّونَ بِحَمْدِ اللهِ وَفَضْلِهِ؛ فَإِنَّ لَنَا إِخْوَاناً لنا، يَأْتِيهِمُ الْعِيدُ وَهُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ، فَقَدُوا الأَمْنَ وَالْغِذَاءَ، وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الأَعْدَاءُ، فَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ فَرْحَةِ الْعِيدِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْسِيَنَا الْعِيدُ إِخْوَانَنَا، فَهَا هُوَ الْعِيدُ يَمُرُّ عَلَى أَرْمَلَةٍ فَقَدَتْ سَنَدَهَا، وَيَتِيمٍ فَقَدَ عَائِلَهُ، وَغَرِيبٍ نَأَى عَنْ وَطَنِهِ، وَأَسِيرٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْبَابِهِ، وَلِهَؤُلاَءِ جَمِيعاً نَقُولُ: إِنَّ الدُّنْيَا طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ، فَلاَ تَصْفُو فِيهَا بَهْجَةٌ، وَلاَ يَكْتَمِلُ فِيهَا اجْتِمَاعٌ، وَإِنَّ الاِنْتِصَارَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالتَّعَلُّقِ بِاللهِ تَعَالَى، وَبَذْلِ الْمُسْتَطَاعِ مِنْ أَسْبَابٍ، فَهَذَا وَعْدُ مَنْ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) [الأعراف:128]، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) [الروم:47].

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:

إِنَّ الأُمَّةَ لَنْ تَحْيَا إِلاَّ بِالإِسْلامِ وَالتَّقْوَى، وَلَنْ يُكْتَبَ لَهَا عِزٌّ إِلاَّ بِالاِسْتِمْسَاكِ بِعُرْوَتِهِ الْوُثْقَى، تَطْبِيقٌ وَاقِعِيٌّ للإِسْلاَمِ، ثُمَّ اجْتِمَاعٌ عَلَيْهِ وَتَوَاصٍ بِهِ، فَلاَ اجْتِمَاعَ عَلَى بَاطِلٍ، وَلاَ تَفَرُّقَ فِي الْحَقِّ، فَبِذَا يُنَالُ عِزُّ الدُّنْيَا وَكَرَامَةُ الآخِرَةِ؛ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [الأنعام:153]، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:104-105].

لَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَى عَنْ أُمَمٍ قَبْلَنَا، تَهَاوَنُوا فِي الْعَمَلِ بِشِرْعَتِهِمْ، ثُمَّ تَحَايَلُوا عَلَى تَبْدِيلِهِ وَتَغْيِيرِهِ؛ إِلَى أَنْ خَرَجُوا مِنْ عُبُودِيَّةِ اللهِ إِلَى عُبُودِيَّةِ الشَّيْطَانِ؛ حَيْثُ الذُّلُّ وَالْعِصْيَانُ وَالْهَوَانُ، ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ )[يس:60]، (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة:268]، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ: خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ؛ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ].

إِنَّ الأُمَّةَ فِي سَنَوَاتٍ مَضَتْ؛ وَفِي بِلاَدٍ كَثِيرَةٍ؛ قَدْ جَرَّبَتْ مَذَاهِبَ مُتَعَدِّدَةً، وَرَفَعَتْ شِعَارَاتٍ مُتَنَوِّعَةً؛ مِنْ قَوْمِيَّةٍ وَوَطَنِيَّةٍ، وَبَعْثِيَّةٍ وَاشْتِرَاكِيَّةٍ، وَعِلْمَانِيَّةٍ وَحُرِّيَّةٍ، فَمَا نَالَتْ إِلاَّ انْتِكَاسَاتٍ مُتَلاَحِقَةً، وَهَزَائِمَ مُتَوَالِيَةً، وَتَجَرَّعَتْ مَرَارَةَ الذُّلِّ وَالاِسْتِعْبَادِ، فَهَلْ مِنْ تَفَكُّرٍ فِي أَحْوَالِنَا، وَرُجُوعٍ إِلَى مَصْدَرِ عِزِّنَا؟!!.

إِنَّ مَصْدَرَ عِزِّنَا هُوَ شِرْعَةُ رَبِّنَا، قَوْلاً وَاعْتِقَاداً وَعَمَلاً؛ دُونَ أَنْ تَكُونَ مُجَرَّدَ شِعَارَاتٍ تَلُوكُهَا الأَلْسُنُ، أَوْ كَلاَمٍ يُكْتَبُ عَلَى الْوَرَقِ، أَوْ عِبَارَاتٍ تَهْتِفُ بِهَا الْجَمَاهِيرُ فَحَسْبُ، فَعِنْدَ التَّطْبِيقِ الْعَمَلِيِّ لِشَرَائِعِ الإِسْلاَمِ تَعْلُو الأُمَّةُ إِلَى أَعْلَى مَقَامٍ، وَتَهْزِمُ كُلَّ غَشُومٍ ظَلاَّمٍ، فَهَلْ يَعِي ذَلِكَ قَادَةُ الْمُسْلِمِينَ وَسَاسَتُهُمْ؟!  عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجُحْفَةِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؛ وَأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟»، قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: « فَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، وَلا تُهْلَكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا» [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ].

وَلْيَفْهَمُوا أَنَّ  الشَّرِيعَةَ عِزُّنَا      قُـــــــرْآنُنَا دُسْتُـورُنَا الرَّبَّانِـي

وَمُحَمَّدُ الأُمِّيُّ قُدْوَتُنَا الَّذِي      رَسَمَ الطَّرِيقَ الْحَقَّ  بِالتِّبْيَانِ

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْوَحْيَيْنِ، وَرَزَقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ سَعَادَةَ الدَّارَيْنِ، جِوَارَ سَيِّدِ الثَّقَلَيْنِ، أَقُولُ مَا تَسْمعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ مُعِيدِ الْجُمَعِ وَالأَعْيَادِ، وَرَادِّ النَّاسِ إِلَى مَعَادٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ رَافِعُ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ بِغَيْرِ عِمَادٍ، وَمُرْسِي الأَرْضَ بِالأَطْوَادِ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى نَبِيِّنَا صَفْوَةِ الْعِبَادِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ مَا يَشْغَلُ بَالَ كُلِّ مُطِيعٍ - وَنَحْنُ نَطْوِي صَفْحَةَ الشَّهْرِ- أَنْ نُدَاوِمَ عَلَى الطَّاعَةِ بَعْدَ رَحِيلِهِ وَانْصِرَامِهِ؛ لأِنَّ أَبْوَابَ الْحَسَنَاتِ وَمَوَاسِمَ الطَّاعَاتِ بَاقِيَةٌ، فَيَا مَنْ تَرَدَّدْتَ عَلَى الْمَسَاجِدِ دُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلاَ تُفَرِّطْ فِي الصَّلَوَاتِ، يَا مَنْ زَكَتْ نَفْسُهُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَقَلَّبَ نَاظِرَيْهِ فِي كَلاَمِ الْمَنَّانِ، حَذَارِ أَنْ تُلَطِّخَ عَيْنَكَ بِالنَّظَرِ لِلْحَرَامِ.

يَا مَنْ تَرَطَّبَ لِسَانُهُ بِالذِّكْرِ، عَارٌ أَنْ تَعُودَ بَعْدَ الطُّهْرِ لِلْغِيبَةِ وَسَاقِطِ الْكَلاَمِ، يَا مَنْ أُعْتِقَتْ رِقَابُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ الْغَفَّارِ حَذَارِ أَنْ يَرَاكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنِ الْمَعْصِيَةِ بَعْدَ أَنْ حُطَّتْ عَنْكُمُ الأَوْزَارُ، لَقَدْ حُزْتُمْ نُوراً كَبِيراً فَلاَ تُطْفِئُوهُ بِالْمَعَاصِي، قِيَامُ اللَّيْلِ مَشْرُوعٌ كُلَّ الْعَامِ، وَالْقُرْآنُ يَنْتَظِرُ مِنْكُمُ الاِسْتِمْرَارَ وَالدَّوَامَ، مَجَالاَتُ الإِنْفَاقِ تَنْتَظِرُ مِنْكُمُ الإِقْدَامَ، جُنَّةُ الصِّيَامِ نَجَاةٌ وَلَذَّةٌ وَقُرْبَةٌ لِلْمَلِكِ الْعَلاَّمِ، ثَلاَثَةُ أَيَّامِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ كَصِيَامِ الدَّهْرِ، وَسِتَّةُ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ نَدَبَ إِلَيْهَا الرَّسُولُ بَعْدَ إِتْمَامِ رَمَضَانَ، فَأَتْبِعْ بِهَا شَهْرَكَ.

عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ:

كَمْ يُسَرُّ الْمَرْءُ يَوْمَ أَنْ يَرَى جُمُوعَ النِّسَاءِ؛ قَدْ أَمَمْنَ بُيُوتَ اللهِ مُصَلِّيَاتٍ، وَللهِ مُطِيعاتٍ، فِي حِينِ يُسَخِّرُ أَهْلُ الشَّرِّ جُلَّ قُوَاهُمْ فِي سَبِيلِ إِفْسَادِ الْمَرْأَةِ وَإِشْغَالِهَا بِسَفَاسِفِ الأُمُورِ، يَا مَنْ زَكَتْ نَفْسُكِ فِي شَهْرِ الْخَيْرِ بِالْقُرْآنِ وَالصِّيَامِ وَالطَّاعَاتِ وَالْقِيَامِ، إِنَّ أَعْظَمَ دَوْرٍ تَقُومِينَ بِهِ فِي خِدْمَةِ الدِّينِ، هُوَ اسْتِقَامَتُكِ عَلَيْهِ وَتَمَسُّكُكِ بِأُصُولِ الدِّينِ وَأَخْلاَقِهِ، وَتَرَفُّعِكِ عَمَّا يُثَارُ حَوْلَهُ مِنْ شُبُهَاتٍ وَافْتِرَاءَاتٍ.

أَيَّتُهَا الأُخْتُ الفَاضِلَةُ: لِبَاسُكِ وَحِجَابُكِ لَيْسَ عَادَةً بَلْ هُوَ عِبَادَةٌ تَتَقَرَّبِينَ بِهِ إِلَى خَالِقِكِ وَمَوْلاَكِ، أَمَرَ بِهِ مَنْ أَمَرَكِ بِالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ، فَتَمَسَّكِي بِهِ وَلاَ تَتَهَاوَنِي، وَاعْلَمِي أَنَّ زَوْجَكِ هُوَ جَنَّتُكِ أَوْ نَارُكِ فَاسْعَيْ لِمَرْضَاتِهِ، وَتَقَرَّبِي بِذَلِكَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَصَلاَحُ الْبَيْتِ بَلِ الْمُجْتَمَعِ وَانْحِرَافُهُ يَبْدَأُ مِنْكِ، فَإِذَا صَلَحَتِ الْمَرْأَةُ نَشَأَ الأَبْنَاءُ عَلَى الصَّلاَحِ، وَإِنْ فَسَدَتْ رَتَعُوا فِي أَوْدِيَةِ الضَّلاَلِ، فَمَاذَا أَنْتِ صَانِعَةٌ؟ الْحِجَابُ يَسْتُرُ الزِّينَةَ، فَمَا بَالُ الْبَعْضِ مِنْكُنَّ جَعَلْنَهُ زِينَةً، فَغَدَتْ تَتَزَيَّنُ بِعَبَاءَتِهَا، وَيَظْهَرُ بَعْضُ بَدَنِهَا لِيَفْتِنَ الرِّجَالَ بِمَرْآهَا، وَمَا عَلِمَتْ أَنَّ عَلَيْهَا وِزْرَهُمْ، خَيْرٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ لاَ تَرَى الرِّجَالَ وَأَنْ لاَ يَرَوْهَا، فَهَلاَّ غَضَضْتِ الْبَصَرَ عَنِ النَّظَرِ لِلرِّجَالِ عَبْرَ الْقَنَوَاتِ وَالطُّرُقَاتِ وَنَحْوِهَا؟ فَذَاكَ أَسْلَمُ لِلْقَلْبِ، وَأَبْقَى لِلدِّينِ، حَفِظَكِ اللهُ بِالدِّينِ، وَجَمَّلَكِ بِالْعَفَافِ، وَأَنَالَكِ رِضَاهُ، ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) [النساء:34]. [أَيْ: فَالصَّالِحَاتُ الْمُسْتَقِيمَاتُ عَلَى شَرْعِ اللهِ مُطِيعَاتٌ للهِ تَعَالَى وَلأَِزْوَاجِهِنَّ، حَافِظَاتٌ لِكُلِّ مَا غَابَ عَنْ عَلْمِ أَزْوَاجِهِنَّ بِمَا اؤْتُمِنَّ عَلَيْهِ بِحْفِظِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ].

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

إِنَّ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ إِذَا أَتَى مِنْ طَرِيقٍ رَجَعَ مِنْ آخَرَ، فَلْيَتَحَرَّ الْمَرْءُ تَطْبِيقَهَا، وَيُقَرِّرُ أَكَثْرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاةَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلاَةِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُهَا بَعْدَهَا، وَهُوَ آثِمٌ إِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِلاَ عُذْرٍ، فَامْضُوا الْيَوْمَ لِعِيدِكُمْ، وَافْرَحُوا بِيَوْمِكُمْ، وَتَزَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ، وَاعْطِفُوا عَلَى الضُّعَفَاءِ فِيكُمْ، وَمَا لَكُمْ لاَ تَفْرَحُونَ؛ وَقَدِ اصْطَفَاكُمْ رَبُّكُمْ فَجَعَلَكُمْ مُسْلِمِينَ، وَأَمَدَّ فِي أَعْمَارِكُمْ فَبَلَّغَكُمْ تَمَامَ الشَّهْرِ وَأَنْتُمْ سَالِمُونَ، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنْدَكَ الْمُوَحِّدِينَ


خطبة عيد الفطر مكتوبة


عن الكاتب

عبدالغفار العماوي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

موقع الشيخ عبدالغفار العماوي