عناصر الخطبة
1 - رحيل رمضان
2 - يوم العيد يوم توزيع الجوائز
3- الفرح بالطاعات
4- التسامح والتصالح وترك الهجر والتقاطع وفضيلة العفو
5- عقوق الوالدين
6 -حق الفقراء
7- حق المرضى
8- مرحلة الشباب في الإسلام
9- موعظة للآباء والأمهات وأولياء الأمور
10- أهمية الصلاة
11- موعظة للنساء وخطورة ترك الحجاب
12- المداوم على العمل الصالح بعد رمضان وصيام الست
الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [ آل عمران: 102]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، أَعَاذَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ عِبَادَ اللهِ:
هَا قَدْ رَحَلَ عَنَّا شَهْرُ رَمَضَانَ، رَحَلَ عَنَّا ضَيْفٌ كَرِيمٌ، كَانَتْ أَيَّامُهُ خَيْرَ أَيَّامٍ، وَكَانَتْ لَيَالِيهِ أَجْمَلَ لَيَالٍ، أَيَّامٌ قَضَيْنَاهَا وَكُلُّ أَمَلِنَا دُخُولُ الْجَنَّةِ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَلَيَالٍ سَهِرْنَاهَا وَكُلُّ أَمَلِنَا فِي قَبُولِ الدَّعَوَاتِ وَغُفْرَانِ الزَّلَّاتِ، فَلَيْتَ شِعْرِي مَنِ الْمَقْبُولُ مِنَّا فَنُهَنِّيَهُ، وَمَنِ الْمَطْرُودُ الْمَحْرُومُ مِنَّا فَنُعَزِّيَهُ؟!
فِي يَوْمِكُمْ هَذَا تُعْلَنُ النَّتَائِجُ وَتُوَزَّعُ الْجَوَائِزُ، الْيَوْمَ يَطِيرُ الصَّائِمُونَ فَرَحاً بِالْقَبُولِ وَالْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، وَيَنْدَمُ الْكُسَالَى النَّائِمُونَ، وَالْعَابِثُونَ اللَّاعِبُونَ عَلَى تَضْيِيعِ مَا فَاتَهُمْ مِنَ الأَزْمَانِ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ: لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لِقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ –رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَمَّا فَرَحَهُ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، فَفِيمَا يَجِدُهُ عِنْدَ اللهِ مِنْ ثَوَابِ الصِّيَامِ مُدَّخَراً».
وَقَالَ مُجَاهِدٌ –رَحِمَهُ اللهُ- فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة:24]: إِنَّ الأَيَّامَ الْخَالِيَةَ هِيَ أَيَّامُ الصِّيَامِ، أَيْ: كُلُوا وَاشْرَبُوا بَدَلَ مَا أَمْسَكْتُمْ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِوَجْهِ اللهِ.
فَيَا أَيُّهَا الْمَقْبُولُونَ: هَنِيئًا لَكُمْ.
وَيَا أَيُّهَا الْمَرْدُودُونَ : جَبَرَ اللهُ مُصِيبَتَكُمْ.
عِبَادَ اللهِ:
فِي الْعِيدِ تَتَصَافَى الْقُلُوبُ، وَتَتَصَافَحُ الأَيْدِي، وَيَتَبَادَلُ الْجَمِيعُ التَّهَانِيَ، وَإِذَا كَانَ فِي الْقُلُوبِ رَوَاسِبُ خِصَامٍ أَوْ أَحْقَادٍ فَإِنَّهَا فِي الْعِيدِ تَتَلَاشَى وَتَزُولُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوُجُوهِ الْعُبُوسُ، فَإِنَّ الْعِيدَ يُدْخِلُ الْبَهْجَةَ إِلَى الأَرْوَاحِ وَالْبَسْمَةَ إِلَى الْوُجُوهِ وَالشِّفَاهِ، كَأَنَّمَا الْعِيدُ فُرْصَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لِيَتَطَهَّرَ مِنْ دَرَنِ الأَخْطَاءِ، فَلَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ إِلَّا بَيَاضُ الأُلْفَةِ وَنُورُ الإِيمَانِ، لِتُشْرِقَ الدُّنْيَا مِنْ حَوْلِهِ فِي اقْتِرَابٍ مِنْ إِخْوَانِهِ وَمُحِبِّيهِ، وَمَعَارِفِهِ وَأَقَارِبِهِ وَجِيرَانِهِ، إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَقَدْ بَاعَدَتْ بَيْنَهُمَا الْخِلَافَاتُ، أَوْ قَعَدَتْ بِهِمَا الْحَزَازَاتُ، فَأَعْظَمُهُمَا أَجْرًا الْبَادِئُ أَخَاهُ بِالسَّلَامِ، فِي هَذَا الْيَوْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْسَلِخَ كُلُّ إِنْسَانٍ عَنْ كِبْرِيَائِهِ، وَيَنْسَلِخَ عَنْ تَفَاخُرِهِ وَتَبَاهِيهِ، بِحَيْثُ لَا يُفَكِّرُ بِأَنَّهُ أَغْنَى أَوْ أَثْرَى أَوْ أَفْضَلُ مِنَ الآخَرِينَ، وَبِحَيْثُ لَا يَتَخَيِّلُ الْغَنِيُّ مَهْمَا كَثُرَ مَالُهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْفَقِيرِ.
أَيُّهَا الأَحْبَابُ الْكِرَامُ:
الْعِيدُ مُنَاسَبَةٌ طَيِّبَةٌ لِتَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ، وَإِزَالَةِ الشَّوَائِبِ عَنِ النُّفُوسِ، وَتَنْقِيَةُ الْخَوَاطِرِ مِمَّا عَلِقَ بِهَا مِنْ بَغْضَاءَ أَوْ شَحْنَاءَ، فَلْنَغْتَنِمْ هَذِهِ الْفُرْصَةَ، وَلْتُجَدَّدِ الْمَحَبَّةُ، وَتَحُلَّ الْمَسَامَحَةُ وَالْعَفْوُ مَحَلَّ الْعَتْبِ وَالْهِجْرَانِ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ، مِنَ الأَقَارِبِ وَالأَصْدِقَاءِ وَالْجِيرَانِ، وَتَذَكَّرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزّاً» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ]، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ ]، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: «فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» [صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَاسْتَمِعْ مَعِي إِلَى حَدِيثٍ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ].
أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ مَعَاشِرَ الْمُتَبَاغِضِينَ، وَسَارِعُوا إِلَى إِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ، وَكُونُوا عَوْنًا لِأَنْفُسِكُمْ وَإِخْوَانِكُمْ عَلَى الشَّيْطَانِ، وَلَا تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَإِخْوَانِكُمْ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ التَّشَاحُنِ وَالتَّدَابُرِ: أَنْ يَعِقَّ الْوَلَدُ أَوِ الْبِنْتُ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا، فَذَلِكَ ذَنْبٌ عَظِيمٌ لَعَنَ اللهُ فَاعِلَهُ فِي الْقُرْآنِ: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) [محمد:22-23]، وَأَيُّ رَحِمٍ أَقْرَبُ مِنَ الْوَالِدَيْنِ؟!
فَيَا أَيُّهَا الْعَاقُّ، وَيَا أَيَّتُهَا الْعَاقَّةُ، اعْلَمَا أَنَّ رِضَاءَ اللهِ فِي رِضَاءِ الْوَالِدَيْنِ، قَرَنَ طَاعَتَهُمَا بِعِبَادَتِهِ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْعُقُوقِ، وَإِنَّ مِنَ الْعُقُوقِ رَفْعَ الصَّوْتِ عَلَيْهِمَا وَإِحْدَادَ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا، وَالتَّأَخُّرَ عَنْ قَضَاءِ حَوَائِجِهِمَا حَتَّى يَتَضَجَّرَا، فَيَا مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ، سَارِعِ الآنَ بِاسْتِرْضَائِهِمَا، وَاطْلُبِ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا، وَقَبِّلْ رَأْسَيْهِمَا صَبَاحَ مَسَاءَ، وَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمَا، وَسَتَرَى مِنَ اللهِ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ وَيَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُكَ.
عِبَادَ اللهِ:
لَا تَنْسَوْا فُقَرَاءَكُمْ؛ فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ، أَدْخِلُوا الْبَهْجَةَ وَالسُّرُورَ عَلَيْهِمْ، وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ، فَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ قُرْبَةٌ مِنَ الْقُرُبَاتِ، ادْعُوهُمْ إِلَى وَلَائِمِكُمْ، فَخَيْرُ طَعَامِ الْوَلَائِمِ وَلِيمَةٌ يُدْعَى إِلَيْهَا الْفُقَرَاءُ، وَشَرُّ الْوَلَائِمِ وَلِيمَةٌ يُمْنَعُ مِنْهَا الْفُقَرَاءُ، أَعِينُوهُمْ بِمَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكُمْ، فَكَثِيرٌ مِنَ الْكَمَالِيَّاتِ عِنْدَنَا هِيَ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَهُمْ، فَكَمْ مِنْ فَقِيرٍ يَكْتُمُ حَاجَتَهُ بِسَبَبِ جِلْبَابِ الْحَيَاءِ وَالْعِفَّةِ!، وَكَمْ مِنْ فَقَيرٍ غَلَبَتْ فَاقَتُهُ صَمْتَهُ فَأَظْهَرَهَا مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ؛ فَمَعُونَةُ الْفُقَرَاءِ مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ وَالنَّصْرِ.
يَا أَهْلَ الْعِيدِ وَالْقُلُوبِ الطَّيِّبَةِ : لَا تَنْسَوْا مَرْضَاكُمْ، أَشْرِكُوهُمْ فِي عِيدِكُمْ، وَاجْعَلُوا لَهُمْ حَظّاً مِنْ زِيَارَاتِكُمْ، فَفَرْحَةُ الْعِيدِ لَيْسَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى الأَصِحَّاءِ، بَلْ لِلْمَرْضَى فِيهَا نَصِيبٌ، زُورُوهُمْ وَاتَّصِلُوا بِهِمْ، وَهَنِّئُوهُمْ بِالْعِيدِ وَأَوْصُوهُمْ بِالاِحْتِسَابِ وَالصَّبْرِ، فَهُمْ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى ذَلِكَ، وَاحْمَدُوا اللهَ الَّذِي عَافَاكُمْ مِمَّا ابْتَلَاهُمْ بِهِ، وَللهِ فِي خَلْقِهِ شُؤُونٌ. اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ أَثْمَنَ مَا فِي الأُمَّةِ شَبَابُهَا، فَيَا شَبَابَ الإِسْلَامِ، تَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالِاغْتِرَارَ بِعُمْرِ الزُّهُورِ وَاكْتِمَالِ الْقُوَى.
يَا شَبَابَ الإِسْلَامِ: أَنْتُمْ أَمَلُ الأُمَّةِ الْمُشْرِقُ، وَعُدَّةُ الْمُسْتَقْبَلِ الْوَضَّاءِ، وَرِجَالُ الْغَدِ الْمُتَلَأْلِئِ، عَلَيْكُمْ بِالْقِيَامِ بِرِسَالَتِكُمْ، قُومُوا بِوَاجِبِكُمْ، وَاعْرِفُوا مَكَانَتَكُمْ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ، وَتَلَاحَمُوا مَعَ عُلَمَائِكُمْ، وَاسْلُكُوا الْمَنْهَجَ الْوَسَطَ، فَلَا غُلُوَّ وَلَا جَفَاءَ، وَلَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ، حَذَارِ وَالاِسْتِرْسَالَ فِي الْغَفْلَةِ وَالشَّهَوَاتِ، وَالانْخِدَاعَ بِالشُّبُهَاتِ، وَاحْذَرُوا وَسَائِلَ الشَّرِّ؛ فَالْمُتَرَبِّصُونَ بِكُمْ كَثِيرٌ، احْذَرُوا أَنْ تَقَعُوا فِيمَا نَصَبُوهُ مِنَ الْفِخَاخِ، فَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ إِلَّا بِإِفْسَادِكُمْ، بَلْ إِنَّهُمْ يُنْفِقُونَ الأَمْوَالَ مِنْ أَجْلِ إِفْسَادِ الأَخْلَاقِ لَدَى الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ، وَالْمُصِيبَةُ أَنَّهُمْ دَخَلُوا كُلَّ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ عَبْرَ الإِنْتَرْنِتِّ وَعَبْرَ بَعْضِ الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ الرَّدِيئَةِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الآبَاءُ وَأَيَّتُهَا الأُمَّهَاتُ: اتَّقُوا اللهَ فِي أَوْلَادِكُمْ، كُونُوا قُدْوَةً لَهُمْ فِي الْخَيْرِ، أَبْعِدُوهُمْ عِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، تَابِعُوهُمْ فِي صَلَوَاتِهِمْ وَخَلَوَاتِهِمْ وَجَلَوَاتِهِمْ، كُونُوا الرِّقَابَةَ الْمُكَثَّفَةَ الْمَقْرُونَةَ بِمَشَاعِرِ الْمَحَبَّةِ وَالْحَنَانِ وَالشَّفَقَةِ، حَذَارِ أَنْ تَتَسَلَّلَ إِلَى الأُسَرِ أَلْوَانٌ مِنَ الْغَزْوِ الْفِكْرِيِّ وَالأَخْلَاقِيِّ، فَتَهْدِمَ مَا بَنَيْتُمُوهُ، وَتَنْقُضَ مَا شَيَّدْتُمُوهُ، نَشِّئُوهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْهُدَى، وَالْبُعْدِ عَنِ الرَّذِيلَةِ وَالشَّرِّ وَالرَّدَى.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُوَّحِدُونَ:
الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، حَافِظُوا عَلَيْهَا وَاحْفَظُوهَا، فَهِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، فَهِيَ عَمُودُ الإِسْلَامِ، وَهِيَ الرُّكْنُ الْعَمَلِيُّ الأَوَّلُ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، فَحَافِظُوا عَلَيْهَا -رَحِمَكُمُ اللهُ- جَمَاعَةً، وَأَدُّوهَا فِي وَقْتِهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَاعْتَنُوا بِهَا، وَلْتَكُنْ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِكُمْ؛ فَإِنَّ عَلَامَةَ حُبِّ الإِسْلَامِ الْعِنَايَةُ بِهَذِهِ الصَّلَوَاتِ وَالاهْتِمَامُ بِهَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ عِيدَنَا فَوْزًا بِرِضَاكَ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ قَبِلْتَهُمْ فَأَعْتَقْتَ رِقَابَهُمْ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ رَمَضَانَ رَاحِلاً، وَقَدْ غُفِرَتْ فِيهِ سَيِّئَاتُنَا، وَرُفِعَتْ فِيهِ دَرَجَاتُنَا، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ مُعِيدِ الْجُمَعِ وَالأَعْيَادِ، وَمُبِيدِ الأُمَمِ وَالأَجْنَادِ، وَجَامِعِ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، إِنَّ اللهَ لَا يَخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا نِدَّ وَلَا مُضَادَّ، وَأَشْهَـدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً.
فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الأَغَرِّ خَطَبَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم الرِّجَالَ، ثُمَّ خَطَبَ النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، يُوَضِّحُ هَذَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئاً عَلَى بِلَالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطُبُ جَهَنَّمَ» فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» قَالَ: «فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ».
أَيَّتُهَا الأَخَوَاتُ الْكَرِيمَاتُ:
فِي مُجْتَمَعَاتِنَا الْيَوْمَ مِنَ الصَّالِحَاتِ الْمُصْلِحَاتِ فِي الْبُيُوتِ وَدُورِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ وَالْمَدَارِسِ وَالْكُلِّيَّاتِ وَغَيْرِهَا مَا هُوَ مَفْخَرَةُ الأُمَّةِ وَاعْتِزَازُهَا، فَيَا حَسْرَةً عَلَى مَنْ ضَلَّتْ عَنْ هَذَا الْهَدْيِ، وَاسْتَهَانَتْ بِأَمْرِ نَفْسِهَا وَاغْتَرَّتْ بِمَسَالِكِ الاِنْحِرَافِ، وَتَسَاهَلَتْ كَمَا تَسَاهَلَ بَعْضُ النِّسَاءِ لِلأَسَفِ فِي مَفْهُومِ التَّجَمُّلِ حَتَّى تَجَاوَزْنَ الْحَدَّ وَوَقَعْنَ فِي الْمُخَالَفَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَيَا بُشْرَى أَخَوَاتِنَا اللَّاتِي آثَرْنَ الْهُدَى عَلَى الضَّلَالِ، وَالْعَفَافَ وَالْحِشْمَةَ وَالْحَيَاءَ عَلَى مَا يُخَالِفُهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
وَدَّعْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، غَيْرَ أَنَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ لَا تُوَدَّعُ وَلَا تُهْجَرُ، فَلِلَّهِ فِي دَهْرِكُمْ خَيْرَاتٌ وَبَرَكَاتٌ وَأَعْمَالٌ صَالِحَاتٌ، فَمَنْ عَمِلَ طَاعَةً مِنَ الطَّاعَاتِ وَفَرَغَ مِنْهَا، فَعَلَامَةُ قَبُولِهَا أَنْ يَصِلَهَا بِطَاعَةٍ أُخْرَى، وَعَلَامَةُ رَدِّهَا أَنْ يُعَقِّبَ تِلْكَ الطَّاعَةَ بِمَعْصِيَةٍ، فَمَا أَحْسَنَ الْحَسَنَةَ بَعْدَ السَّيِّئَةِ تَمْحُوهَا، وَأَحْسَنُ مِنْهَا الْحَسَنَةُ بَعْدَ الْحَسَنَةِ تَتْلُوهَا، وَمَا أَقْبَحَ السَّيِّئَةَ بَعْدَ الْحَسْنَةِ تَمْحَقُهَا وَتَعْفُوهَا، وَأَنْتُمْ تَسْتَقْبِلُونَ شَهْراً شَرَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَكُمْ صِيَامَ سِتٍّ مِنْهُ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ». وَهِيَ سُنَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، يَصُومُهَا الشَّخْصُ إِنْ شَاءَ مُتَتَابِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
مِنْ خَيْرِ مَا تَبْدَأُونَ بِهِ الْعِيدَ صِلَةُ أَرْحَامِكُمْ، وَخَاصَّةً الرَّحِمُ الْقَاطِعَةُ، فَوَصْلُهَا أَعْظَمُ، وَثَوَابُهَا أَجْزَلُ، وَلَا تَنْسَوُا الْمَسَاكِينَ وَالْيَتَامَى وَالأَرَامِلَ مِنْ إِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ فَذَلِكَ عَمَلٌ مَحْبُوبٌ عِنْدَ اللهِ، وَثَوَابُهُ جَزِيلٌ وَعَمِيمٌ .
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِين، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ