عناصر الخطبة
1 الناس في رمضان بين المحسن والمسيء
2 المحسن يشكر ويستزيد والمسيء يتوب ويتدارك
3 الحكمة من مشروعية العيد
4 الفرح بالعيد عبادة ومشروعية التهنئة
5 ادخال السرور على الأبناء
6 مدرسة رمضان في قهر الشيطان
7 حقوق الأقارب والجيران
8 علامة قبول العمل الصالح
9 موعظة للنساء عن الحجاب وسبب دخولها الجنة
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، خَلَقَنَا في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَرَزَقَنَا رِزْقاً طَيِّباً، وكَفَانا وآوَانَا، ومِنْ كُلِّ خَيْرٍ أَعْطَانا، هَدانا للإِسْلامِ وما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانا ، نَحْمَدُهُ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبارَكاً فِيهِ كَما يُحِبُّ رَبُّنَا ويَرْضَى، حَمْداً يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وعَظِيمِ سُلْطانِهِ، فَتَحَ لِعِبادِهِ أَبْوَابَ الخَيْرِ والبِرِّ والإِحْسانِ، وأَعانَهُمْ علَى الصِّيَامِ والقِيَامِ، وشَمَلَ مَنْ شاءَ بِالرَّحَماتِ والغُفْرانِ والعِتْقِ مِنَ النِّيرانِ، فَاللَّهُمْ لَكَ الحَمْدُ والشُّكْرُ علَى ما أَسْدَيْتَ مِنْ فَضْلِكَ الوَفِيرِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى كَمَا وَصَّاكُمْ رَبُّكُمْ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْـحَمْدُ.
مَضَى رَمَضانُ - عِبَادَ اللهِ - بِمَا أَوْدَعَ العِبَادُ فِيهِ مِنَ الأَعْمَالِ، فَمُحْسِنٌ ومُسِيءٌ، ومُسْتَكْثِرٌ ومُقِلٌّ، ومَقْبُولٌ ومَرْدُودٌ، فَهَنِيئاً لِـمَنْ صَامَ وقَامَ وأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وصَلَّى بِاللَّيْلِ والنَّاسُ نِيَامٌ، وهَنِيئاً لِـمَنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَلَهَجَ لِسَانُهُ بِالذِّكْرِ والشُّكْرِ، وَأَدَّى حَقَّ رَبِّهِ فِي الـمَالِ لِلسَّائِلِ وَالـمَحْرُومِ، وهَنِيئاً لِـمَنْ تَغَيَّرَ لِلأَفْضَلِ، وتَعَاهَدَ بِالاسْتِمْرارِ لِلْأَحْسَنِ، وعَفَا عَمَّنْ أَساءَ وَأَصْلَحَ، وعَاشَ فِي تَزْكِيَةِ أَخْلَاقِهِ وتَقْوِيمِ سُلُوكِهِ، قَالَ تَعَالَى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر:10].
وَهَنِيئاً لِـمَنْ حَرِصَ علَى الـجُمَعِ والجَماعَاتِ وفِعْلِ الطَّاعَاتِ وتَرْكِ الـمُنْكَراتِ؛ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ ورِضْوَاناً ويَنْصُرُونَ اللهَ ورَسُولَهُ، يَحْذَرُونَ الآخِرَةَ ويَرْجُونَ رَحْمَةَ رَبِّهِمْ طَمَعاً فِي عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ )[الشعراء:82].
وَمَنْ كَانَ مُحْسِناً فِي رَمَضانَ فَلْيَحْمَدِ اللهَ –تَعَالَى- علَى إِعانَتِهِ وتَوْفِيقِهِ، وَلْيَثْبُتْ علَى إِحْسانِهِ وَاسْتِقْامَتِهِ ويَزِدْ فِيهِمَا؛ فَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ -تَعَالَى- أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ، وأَمَّا مَنْ أَساءَ فَلْيَتُبْ إِلَى اللهِ مِنْ كُلِّ ما اقْتَرَفَتْهُ جَوارِحُهُ، وَمَنْ فَاتَهُ رَمَضانُ فَلْيَتَدَارَكْ مَا بَقِيَ مِنَ العُمْرِ.
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ:
بَعْدَ خِتَامِ فَرِيضَةِ الصِّيامِ جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَكُمْ عِيداً لِتُظْهِرُوا الفَرَحَ والبَهْجَةَ والسُّرُورَ فِيمَا هُوَ مُباحٌ مِنَ الأَكْلِ والشُّرْبِ والتَّرْفِيهِ والتَّرْوِيحِ؛ لِيَعْلَمَ الجَمِيعُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةٌ، قَالَ تَعَالَى: (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) [يونس:58]، والتَّوْسِعَةَ علَى العِيَالِ ومُشَارَكَتَهُمْ أَفْراحَهُمْ وسَعَادَتَهُمْ. (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْـحَمْدُ.
إِنَّ فَرَحَنَا بِعِيدِنَا هُوَ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ انْتِمَائِنَا لِدِينِنَا، وَهُوَ شَعِيرَةٌ مِنَ الشَّعَائِرِ الـمُهِمَّةِ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَـمَّا قَدِمَ الـمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَحْتَفِلُونَ بِعِيدَيْنِ، فَقَالَ: «كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ].
وَالعِيدُ فُرْصَةٌ سَانِحَةٌ لِإِعَادَةِ أَوَاصِرِ العَلَاقَاتِ وتَرْسِيخِ الـمَحَبَّةِ والأُلْفَةِ فِي نُفُوسِ الأَبْنَاءِ وَإِزَالَةِ الضَّغَائِنِ وسَخَائِمِ النُّفُوسِ؛ لِتَشِيعَ البَهْجَةُ والسَّعَادَةُ، وَكُلٌّ مِنَّا يَجْتَهِدُ فِي صِلَةِ الأَرْحامِ وتَقْوِيَتِهَا فَفِي الحَدِيثِ «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه].
وَالْعِيدُ مُنَاسَبَةٌ طَيِّبَةٌ لإِظْهَارِ التَّفَاؤُلِ فِي حَيَاةِ الـمُسْلِمِينَ، وقَدْ سَطَّرَ القُرْآنُ العَظِيمُ قَوْلَ الـخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) [الحجر:56].
أَيُّهَا الـمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ فَرَحَ الـمُؤْمِنِ فِي العِيدِ يُذَكِّرُهُ بِفَرَحِ يَوْمِ قُدُومِهِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ يَجِدُ أَعْمَالَهُ مُدَّخَرَةً لَهُ وَهُوَ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَيْهَا؛ قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا) [آل عمران:30].
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُهَنِّئُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِالْعِيدِ بِقَوْلِهِمْ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا التَقَوْا يَوْمَ العِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ» [قَالَ الحَافِظُ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ].
وَلَا بَأْسَ أَنْ تَأْتِيَ أَخِي الـمُسْلِمَ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ التَّهْنِئَةِ مِمَّا اعْتَادَهُ النَّاسُ؛ فَالأَمْرُ فِيهِ سِعَةٌ وَالْحَمْدُ للهِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ وَلِسَائِرِ الـمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ الكَرِيمِ الـمَنَّانِ الَّذِي عَلَّمَنَا القُرْآنَ، وهَدَانا لِأَحْسَنِ البَيَانِ، ودَلَّنَا عَلَى مَا يُوصِلُنَا إِلَى الجِنَانِ، وأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الـمَبْعُوثُ إِلَى الإِنْسِ وَالجَانِّ، وأَوصِيكُمْ بِالتَّقْوَى فِي السِّرِّ وَالإِعْلَانِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْـحَمْدُ.
لَقَدْ تَعَلَّمْنَا - أَيُّهَا الأَحِبَّةُ - مِنْ شَهْرِ رَمَضانَ: أَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَى قَهْرِ الشَّيْطانِ وَالْـهَوَى والنَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وقَادِرُونَ علَى أَداءِ العِبَادَاتِ مَهْمَا كَثُرَتِ الأَشْغَالُ وعَظُمَتِ الـمَسْؤُولِيَّاتُ، والشُّعُورَ بِالاِفْتِقَارِ إِلَى اللهِ الـمَعْبُودِ وَحْدَهُ وَنَحْنُ عَبِيدُهُ لَا نَنْفَكُّ عَنْ عُبُودِيَّتِهِ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )[البقرة:21].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْـحَمْدُ.
إِنَّ الجِيرَانَ والأَقَارِبَ وَالأَرْحامَ لَهُمْ حُقُوقٌ عَلَيْنَا، فَوَاجِبُنَا أَنْ نَصِلَهُمْ ونَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ- بِحُسْنِ مُعَامَلَتِهِمْ، فَبِرُّوا وَالِدِيكُمْ، وَصِلْوا الأَرْحَامَ، وأَزِيلُوا الشَّحْنَاءَ، وَأَصْلِحُوا بَيْنَ الـمُتَخَاصِمِينَ، وَلَا تَنْسَوْا إِخْوَانَكُمُ الـمُسْتَضْعَفِينَ في مَشَارِقِ الأَرْضِ ومَغَارِبِهَا، وَأَخْلِصُوا لَهُمُ الدُّعاءَ، وكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَاناً.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ قَـبُولِ الأَعْمالِ: الإِخْلَاصُ فِيهَا؛ قَالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ اللهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا أَخْلَصَهُ وَأَصْوَبَهُ، فَأَخْلَصُهُ مَا كَانَ للهِ خَالِصاً، وَأَصْوَبُهُ مَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ؛ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )[ المائدة:27].
وَمِنْ عَلَامَاتِ الْقَـبُولِ أَيضاً: عَدَمُ الرُّجُوعِ إِلَى الـمَعَاصِي؛ قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ رَحِمَهُ اللهُ: «مَنِ اسْتَغْفَرَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبُهُ عَلَى الـمَعْصِيَةِ مَعْقُودٌ، وعَزْمُهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الـمَعْصِيَةِ ويَعُودَ، فَصَوْمُهُ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ، وبَابُ القَـبُولِ فِي وَجْهِهِ مَسْدُودٌ..».
إِنَّ زِيَادَةَ الطَّاعَاتِ - أَيُّهَا الأحِبَّةُ - بِفِعْلِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ مِنْ عَلَامَاتِ القَـبُولِ؛ قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: «إِنَّ مِنْ جَزَاءِ الحَسَنَةِ الحَسَنَةَ بَعْدَهَا، ومِنْ عُقُوبَةِ السَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ بَعْدَهَا، فَإِذَا قَبِلَ اللهُ العَبْدَ فَإِنَّهُ يُوَفِّقُهُ إِلَى الطَّاعَةِ، وَيَصْرِفُهُ عَنِ الـمَعْصِيَةِ»، وَقَدْ قَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ أَيْضاً: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنْ لَمْ تَكُنْ فِي زِيَادَةٍ فَأَنْتَ فِي نُقْصَانٍ».
ومِنَ الازْدِيَادِ فِي الطَّاعَاتِ: صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
ومِنْ عَلامَاتِ القَـبُولِ كَذَلِكَ: الثَّباتُ عَلَى الطَّاعَاتِ: قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ الدِّمَشْقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (لَقَدْ أَجْرَى اللهُ الكَرِيمُ عَادَتَهُ بِكَرَمِهِ أَنَّ مَنْ عَاشَ عَلَى شَيْءٍ مَاتَ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بُعِثَ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ).
فَأَخْلِصْ –يَارَعَاكَ اللهُ- فِي عَمَلِكَ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَاجْتَهِدْ فِي العَمَلِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وعَالِجْ نَفْسَكَ عَلَى مَحَبَّةِ العِبَادَةِ وَالإِقْبَالِ عَلَيْهَا، والتَّلَذُّذِ بِمَذَاقِ الطَّاعَاتِ، وَاحْمِ نَفْسَكَ عَنِ الـمُخَالَفَاتِ والسَّيِّئَاتِ وسَائِرِ الـمُحَرَّمَاتِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْـحَمْدُ.
ابْتَهِجُوا –عِبَادَ اللهِ- بِعِيدِكُمْ بِالْبَقَاءِ علَى العَهْدِ، وَإِتْبَاعِ الحَسَنَةِ الحَسَنَةَ، فَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ قَـبُولِ الطَّاعَاتِ، وَاعْبُدُوا اللهَ في رَمَضَانَ وَبَعْدَ رَمَضَانَ، وَخَفِّفُوا عَنْ إِخْوَانِكُمُ الـمُسْلِمِينَ النَّكَبَاتِ، وأَعِينُوهُمْ فِي الأَزَمَاتِ، وَوَاسُوهُمْ في الكُرُبَاتِ، وادْعُوا لَهمْ بِالنَّصْرِ والثَّبَاتِ، وَلَا تَزْدَرُوا أَوْ تَحْتَقِرُوا الكَلِمَةَ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَقُولَـهَا لِـمَكْلُومٍ أَوْ مَكْرُوبٍ؛ فَإِنَّ الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ صَدَقَةٌ، ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ.
أَيَّتُهَا الْـمَرْأَةُ الـمُسْلِمَةُ:
حَافِظِي عَلَى حِجَابِكِ الشَّرْعِيِّ، وصَلَاتِكِ وَحَيَائِك، وسَائِرِ عِبَادَاتِكِ، واحْرِصِي عَلَى أُسْرَتِكِ وَكُونُوا جَمِيعاً مَدْرَسَةً فِي التَّسَامُحِ والتَّنَاصُحِ والتَّلَاحُمِ والتَّرَاحُمِ، وَاحْذَرِي مِنَ التَّفْرِيطِ والتَّشَاغُلِ والتَّقْصِيرِ والتَّساهُلِ والتَّسْوِيفِ، وابْتَعِدِي عَنِ الـمُحَرَّمَاتِ، وَإِذَا أَرَدْتِ أَنْ تُنَادَيْ مِنْ أَبْوَابِ الـجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ فَعَلَيْكِ بِتَطْبِيقِ الحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه مَرْفُوعاً: «إِذَا صَلَّتِ الْـمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ».
هَنِيئًا لَنَا - أَيُّهَا الأحِبَّةُ- هَذَا العِيدُ وَأَعَادَهُ اللهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وعَلَى الـمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ، والسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنْكُمْ ومِنَ الـمُسْلِمِينَ جَمِيعاً صَالِحَ الأَعْمَالِ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ.