عناصر الخطبة
1- عيد الفطر في الإسلام وشكر الله عليه
2- حسن الظن بقبول الأعمال الصالحة
3 -بشارة نبوية
4 -الحكمة من مشروعية العيد
5- التسامح والتصالح وترك الهجر والتقاطع وفضيلة العفو
6 -أهمية الوحدة بين المسلمين وترك الاختلاف
7- مرحلة الشباب وأهميتها في الإسلام
8- صيام ست من شوال
اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ .
اللهُ أَكْبَـرُ كَبِيراً، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وأَصِيلاً، سُبْحَانَ خَالِقِ العِبَادِ، وَمُجَدِّدِ الأَعْيَادِ، وَرَازِقِ الخَلْقِ وَبَاعِثِهِمْ لِيَوْمِ المَعَادِ، وكَفَى باللهِ وَكِيلاً .
الحَمْدُ للهِ الَّذي سَهَّلَ لِعِبادِهِ سُبُلَ العِبَادَةِ وَيَسَّرَ، ولَهُ الشُّكْرُ على نِعَمِهِ وَآلائِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَرُ ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ؛ سُبْحَانَهُ خَلَقَ فَقَدَرَ، وَشَرَعَ فَأَمَرَ وَزَجَرَ ، وَأَنْعَمَ فَأَغْدَقَ، وَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وأَشْهدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ المُصْطَفَى ورَسُولُهُ المُجْتَـبَى، وَنَبِيُّهُ المُرْتَضَى؛ صَاحِبُ الوَجْهِ الأَنْوَرِ وَالجَبِينِ الأَزْهَرِ، صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالأَثَرِ، وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً مَا اتَّصَلَتْ عَيْنٌ بِنَظَرٍ أَوْ وَعَتْ أُذُنٌ بِخَبَرٍ .
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وأَطِيعُـوهُ، وَاحْذَرُوا عِقَابَهُ وَارْجُـوا ثَوَابَهُ وَلَا تَعْصُـوهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [الأحزاب:70-71].
وَاعْلَمُوا أَنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَعِيدٌ كَرِيمٌ، أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ فِطْرَهُ، وَحَرَّمَ علَيْـكـُمْ صَوْمَهُ، تَوَّجَ اللهُ بهِ شَهْرَ الصِّيامِ، وَافْتَتَحَ بِهِ أَشْهُرَ الحَجِّ إِلَى بَيْتِهِ الحَرَامِ .
وَإِنَّهُ لَمِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الإِسْلَامِ : هَذَا العِيدُ الَّذي تَتِمُّ فِيهِ الفَرْحَةُ وَالسُّرُورُ لِلْأَنَامِ، وَيَتَلاقَى المُسْلِمُونَ فِيهِ بِالبِشْرِ وَالتَّهْنِئَةِ وَالسَّلَامِ، وَيُكَبِّروُنَ اللهَ تَعَالَى عَلَى مَا أَوْلَاهُمْ مِنَ الفَضْلِ وَمَا أَسْبَغَ مِنَ الإِنْعَامِ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) [ يونس : 58 ]، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَـرُ اللهُ أَكْبَـرُ ، وللهِ الحَمْدُ .
عِبَادَ اللهِ :
هَا قَدْ أَكْمَلْتُمُ الْعِدَّةَ، بَعْدَ مَا أَعْدَدْتُمُ الْعُدَّةَ، فَاسْتَجَبْتُمْ لِأَمْرِ رَبِّـكُمْ، وَأَظْهَرْتُمْ لِدِينِهِ خَالِصَ حُبِّكُمْ ، فَصُمْتُمْ رَمَضَانَ طَائِعِينَ، وَقُمْتُمْ لَيَالِـيَهُ رَاغِبِينَ:( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [ البقرة:185].
يَا مَعْشَرَ مَنْ كُنْتُمْ بِالأَمْسِ صَائِمِينَ قَائِمِينَ، لَقَدْ صُمْتُمْ نَهَارَ رَمَضَانَ صَابِرِينَ مُحْتَسِبِينَ، وَقُمْتُمْ لَيَالِيَهُ عَابِدِينَ مُتَقَرِّبِينَ، تَرْجُونَ رَحْمَةَ رَبِّـكُمْ، وَتَخَافُونَ عَذَابَ يَوْمِ الدِّينِ ، يَا مَنْ لَهِجَتْ أَلْسِنَتُكُمْ بِذِكْرِ اللهِ، يَا مَنْ تَعَطَّرَتْ أَفْوَاهُكُمْ بِتِلَاوَةِ كِتَابِ اللهِ، يَا مَنْ بَكَتْ عُيُونُكُمْ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللهِ، يَا مَنِ اطْمَأَ نَّتْ قُلُوبُكُمْ بِطَاعَةِ الرَّبِّ جَلَّ فِي عُلَاهُ ؛ كَمْ فَطَّرْتُمْ مِنْ صَائِمٍ!، وَأَعَنْتُمْ مِـنْ قَائِمٍ!، وعَفَوْتُمْ عَنْ مُخْطِئٍ أَوْ ظَالِمٍ!،
يَا مَنْ بَذَلْتُمْ وتَقَرَّبْتُمْ تَبْتَغُونَ الأَجْرَ وَالمَغَانِمَ، بُشْرَاكُمْ فَهَذَا يَوْمُ الجَوائِزِ؛ لِلْعَامِلِ وَصَاحِبِ النِّـيَّةِ العَاجِزِ، هَذَا يَوْمُ إِتْمَامِ الْأَجْرِ لِلْأَجِيرِ، وَآنُ جَبْرِ القَلْبِ الكَسِيرِ، أَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ r :« للِصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»؟ [أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t].
يَا مَنْ أَخْرَجْتُمْ زَكَاةَ فِطْرِكُمْ لِلْفُقَرَاءِ وَالْـمُحْتَاجِينَ ، وَأَدَّيْتُمُوهَا رَاضِينَ مُسْتَبْشِرِينَ؛ إِيمَاناً بِمَا جَاءَ فِي شَرِيعَتِكُمْ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حَيْثُ قَالَ:«فَرَضَ رَسُـولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطْرِ؛ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»[أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وابْنُ ماجَهْ وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ ].
إِنَّ القُلُوبَ لَتَجْمَعُ فِي هَذَا اليَوْمِ الأَغَرِّ بَيْنَ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ علَى إِسْبَاغِ النِّعْمَةِ وَإتْمَامِ الْمِنَّةِ، وَالتَّوْفِيقِ لِصِيَامِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ، وبَيْنَ الأَسَى عَلَى وَداعِ مَوْسِمِ الطَّاعَاتِ وَشَهْرِ البَـرَكَاتِ وسُوقِ الْحَسَنَاتِ.
اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَـرُ اللهُ أَكْبَـرُ ، وللهِ الحَمْدُ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
إِنَّكُمْ صُمْتُمْ شَهْرَ رَمَضَانَ الـمُبَارَكِ، وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِساباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»[أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ].
وقُمْتُمْ لَيَالِيَهُ تَلْتَمِسونَ لَيْلَةَ القَدْرِ فَعَسَى أَنْ تَكُونُوا حَظِيتُمْ بِفَضْلِهَا وَثَوَابِهَا الَّذِي جَاءَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّـكُمْ rإذْ قَالَ:« مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِساباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »[أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ].
وَهَذِهِ بِشَارَةٌ أُخْرَى أُشَنِّفُ بِهَا أَسْمَاعَكُمْ وَأُثْلِجُ بِهَا صُدُورَكُمْ؛ فقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الجُهَنِيُّ رضي الله عنه فَقَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: « يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدْتُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ الزَّكَاةَ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ وقُمْتُهُ فَمِمَّنْ أَنَا؟ قَالَ :"مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» [أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِـيُّ وَالأَرناَؤُوطُ].
فَأَبْشِرُوا؛ فقَدْ وَعَدَ رَبُّنَا - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَهْلَ التَّقْوَى بِقَبُولِ أَعْمَالِهِمْ؛ فَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) [المائدة: 27].
فاللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا الصِّيَامَ والقِيَامَ ، وفِعْلَ الخَيْرِ وَصِلَةَ الأَرْحَامِ، وَسَائِرَ أَعْمَالِنَا الصَّالِحَةِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:
إِنَّ الأَعْيَادَ لَمْ تُشْرَعْ في مِلَّةِ الإِسلَامِ إِلَّا لِإِظْهَارِ البَهْجَةِ وَالسُّرُورِ، وإِذْهَابِ وَغْرِ الصُّدُورِ، وَلإِبْرَازِ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ، وَشُكْرِ الـمَوْلَى ـ جَلَّ جَلَالُهُ ـ عَلَى مَا أَوْلَى مِنَ الإِنْعَامِ، فَصِلُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ الـمُبارَكِ أَرْحَامَكُمْ، وَزُورُوا إِخْوَانَكُمْ، وأَشْعِرُوا بِفَرْحَةِ العِيدِ جِيرَانَكُمْ، وَاجْبُرُوا ضُعَفَاءَكُمْ، وَأَعِينُوا فُقَرَاءَكُمْ، وَأَصْلِحُوا أَحْوَالَكُمْ؛ وَعُودُوا مَرْضَاكُمْ، وَادْعُوا لِمُبْتَلَاكُمْ؛ لِتَدْخُلَ الفَرْحَةُ كُلَّ بَيْتٍ، وتَمْلَأَ البَهْجَةُ قَلْبَ كُلِّ مُسْـلِمٍ فِي الكُوَيْتِ، قالَ اللهُ تَعَالَى: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) [النساء: 36].
وَمَنْ كانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ عَدَاوَةٌ أَوْ شَحْنَاءُ، أَوْ خُصُومَةٌ أَوْ بَغْضَاءُ؛ فَلْيَضَعْ يَدَهُ فِي يَدِهِ، وَلْيَغْسِلْ مَا قَدْ عَلِقَ في قَلْبِهِ؛ حَذَراً مِنْ سَدِّ أَبْوَابِ الْقَبُولِ، وخَوْفاً مِنِ ارْتِهَانِ الأَعْمَالِ فِي سُلَّمِ الْوُصُولِ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ :« تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً؛ إِلَّا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْناءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحَا».
أَقُولُ مَا تسَمْعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ خَيْرُ الغَافِرِينَ .
الخطبـة الثانيـــة
اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ ، اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ.
الحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا فَأَفْضَلَ، وَالَّذِي أَعْطَانَا فَأَجْزَلَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ خَلَقَنَا لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَأَنْطَقَنَا بِتَحْمِيدِهِ وَتَسْبِيحِهِ وَتَمْجِيدِهِ، تَفَرَّدَ بالعِزِّ والبَقَاءِ، وتَوَحَّدَ بالعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، سُبْحَانَهُ خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وشَرَعَ الدِّينَ وأَكْمَلَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، وَخَلِيلُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَمُجْتَبَاهُ، صَاحِبُ الْخُلُقِ الأَعْظَمِ وَالْخَلْقِ الأَكْمَلِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخِيَرَةِ الْكُمَّلِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ، وَاسْتَمْسِكُوا بِمَا شَرَعَهُ لَكُمْ مِنَ الْهُدَى وَالأَحْكَامِ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى طَاعَتِهِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَاسْتَعِدُّوا لِيَوْمٍ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ .
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّنَا لَنَفْرَحُ بِهَذا العِيْدِ، وَنَحْمَدُ اللّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ وَنَسْأَلُهُ فِيهِ المَزِيدَ، فَهَذَا العِيدُ - ياعِبادَ اللهِ- شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَهُوَ رَمَزٌ لِوَحْدَةِ المُسْلِمِينَ، وَعُنْوَانٌ لِتَآلُفِ المُؤْمِنِينَ، فَلْنُحَافِظْ عَلَى مُرْتَكَزَاتِ دِينِنَا فِي التَّعَايُشِ وَالتَّفَاهُمِ، وَالاِتِّحَادِ وَالتَّلَاؤُمِ، فَإِنَّ الحِفَاظَ عَلَى وَحْدَةِ المُسْلِمِينَ وَاجْتِمَاعَ كَلِمَتِهِم وَبَقَاءَ مَوَدَّتِهِمْ: فَرْضٌ شَرْعِيٌّ، وَوَاجِبٌ حَتْمِيٌّ، وَوَسِيلَةٌ لِلتَّكَاتُفِ وَالتَّعَاوُنِ، فَلَا يَقْبَلُ التَّفْرِيطَ وَلَا التَّهَاوُنَ؛ إِذِ الوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعِيشَ أُمَّةَ الجَسَدِ الوَاحِدِ، الَّتِي لَا تَعْرِفُ تَبَاعُدَ القُلُوبِ وَتَنَافُرَهَا، وَلَا تَشَتُّتَ الصُّفُوفِ وَتَنَاحُرَهَا، اِسْتِجَابَةً لِأَمْرِ اللهِ الكَرِيم فِي الاِعْتِصَامِ بِكِتَابِهِ العَظِيمِ.
كَمَا أَنَّ عَلَيْنَا اِسْتِشْعَارَ مَا أفاءَ اللهُ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمِهِ وَأَفْضَالِهِ الجَلِيلَةِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، فَقَدْ تَكَرَّمَ عَلَيْنَا بِسَعَةِ الرِّزْقِ وَرَغَدِ العَيْشِ، وَهَيَّأَ لَنَا أَمْناً وَاِسْتِقْرَارًا وَطُمَأْنِينَةً، وَأَشَاعَ بَيْنَنَا الأُلْفَةَ وَالمَحَبَّةَ وَالتَّوَادَّ، وَتِلْكَ نِعَمٌ مِنَ اللهِ تَسْتَوْجِبُ مِنَّا الشُّكْرَ وَالثَّنَاءَ للْمُنْعِمِ جَلَّ وَعَلا، وَتَسْتَدْعِي المُحَافَظَةَ عَلَيْهَا بِالتَّمَسُّكِ بِتَعَالِيمِ دِينِنَا الإِسْلَامِيِّ الحَنِيفِ، وَبِتَوْحِيدِ الصُّفُوفِ وَنُبْذَ الفُرِقَةِ وَالخِلَافِ.
أَيُّها المُسْلِمُونَ:
إِنَّ أَنْفَعَ مَرْحَلَةٍ وَأَرْقَاهَا، وَأَفْضَلَهَا وَأَقْوَاهَا، وَأَعْظَمَهَا نَشَاطًا وَأَثَرًا،، وَأَكْثَرَهَا إِبْداعاً وإِنْجازاً وَثَمَرًا؛ لَهِيَ مَرْحَلَةُ الشَّبَابِ، فَهِيَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ فِي عُمُرِ الإِنْسَانِ، وَعَلَى عَاتِقِهَا تُبْنَى الحَيَاةُ وَ الأَوْطَانُ، وَعَلَيْهَا تَقُومُ حِراسَةُ القِيَمِ وَتَشْيِيدُ الحَضَارَاتِ، وَرُقِيُّ الأُمَمِ وَقُوَّةُ المُجْتَمَعَاتِ؛ لِذَا كَانَ لِزَاماً عَلَينَا- أَفْرَادًا وَمُجْتَمَعَاتٍ، وَشُعُوبًا وَمُؤَسَّسَاتٍ - أَنْ نُعْنَى بِالشَّبَابِ وَنَهْتَمَّ بِشُؤُونِهِمْ، وَنُشَجِّعَهُمْ عَلَى الأَخْذِ بِزِمَامِ العِلْمِ، وَبِنَاصِيَةِ الرُّقِيِّ وَالْفَهْمِ، وَالمُسَاهَمَةِ فِي التَّنْمِيَةِ وَالبِنَاءِ، وَالمُشَارَكَةِ فِي التَّقَدُّمِ وَالرَّخَاءِ، وَالنَّأْيِ بِهِمْ عَنْ مَهَاوِي الرَّدَى وَمَوَاطِنِ الرَّذِيلَةِ، وَالاِرْتِقَاءِ إِلَى مَدَارِجِ الحَقِّ وَالخَيْرِ وَالفَضِيلَةِ، بَعِيدًا عَنِ الضَّلَالِ العَقَدِيِّ، وَالاِنْحِرَافِ الفِكْرِيِّ وَالسُّلُوكِيِّ.
وَفِي الخِتَامِ - مَعْشَرَ الإِخْوَةِ الكِرَامِ - أَتْبِعُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِصَالِحِ الأَعْمَالِ، وَصُوْمُوا سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرِ شَوَّالٍ؛ فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا عِنْدَ الوَهَّابِ الكَرِيمِ ، وَاللهُ يُضَاعِفُ لِـمَنْ يَشَاءُ، وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ؛ فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ؛كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنْدَكَ الْمُوَحِّدِينَ.