موقع الشيخ عبدالغفار العماوي

أدعو إلى الله على بصيرة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

خطبة عيد الفطر مكتوبة

 عناصر الخطبة

1 فرحة العيد

2 الفرح بتمام الأعمال الصالحة

3 الثبات على الطاعات والمداومة عليها

4 خطورة التكاسل عن الطاعات وترك

5 التسامح والتصالح وترك الهجر والتقاطع وفضيلة العفو

6 العيد الدائم هو اليوم الذي لا معصية فيه

7 العطف على الأيتام والمساكين

8 موعظة للنساء

9 صيام ست من شوال

10 ادخال السرور على الأبناء في العيد


الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا تَعَاقَبَتِ الأَيَّامُ وَالْمَوَاسِمُ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ شُكْرَ الصَّائِمِ القَائِمِ، أَحْمَدُهُ مَا نَطَقَ بِذِكْرِهِ وَتَعْظِيمِهِ نَاطِقٌ، وَأَشْكُرُهُ مَا صَدَقَ فِي قَصْدِهِ وَعَمَلِهِ صَادِقٌ، اللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا صَامَ صَائِمٌ وَأَفْطَرَ، وَكُلَّمَا لَاحَ صَبَاحُ عِيدٍ وَأَسْفَرَ، اللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا لَاحَ بَرْقٌ وَأَنْوَرَ، وَكُلَّمَا أَرْعَدَ سَحَابٌ وَأَمْطَرَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ قَائِمٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْخَاتِمُ، بَيَّنَ سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَنَارَ لِلسَّائِرِينَ الْمَعَالِمَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَوِي الْمَنَاقِبِ الْجَلِيلَةِ وَالْمَكَارِمِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَـرُ اللهُ أَكْبَـرُ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَاعْرِفُوا نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعِيدِ السَّعِيدِ؛ فَإِنَّهُ اليَوْمُ الَّذِي تَوَّجَ اللَّهُ بِهِ شَهْرَ الصِّيَامِ، وَأَجْزَلَ فِيهِ لِلصَّائِمِينَ وَالقَائِمِينَ جَوَائِزَ البِرِّ وَالإِكْرَامِ، عِيدٌ امْتَلَأَتِ القُلُوبُ بِهِ فَرَحًا وَسُرُورًا، وَازْدَانَتْ بِهِ الأَرْضُ بَهْجَةً وَنُورًا، فِي يَوْمِكُمْ هَذَا يَفْرَحُ الصَّائِمُونَ بِرَجَاءِ الْقَبُولِ وَالْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، وَيَنْدَمُ الْمُفَرِّطُونَ عَلَى تَضْيِيعِ مَا فَاتَهُمْ مِنَ الأَزْمَانِ؛ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ: لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ». قَالَ ابْنُ رَجَبٍ –رَحِمَهُ اللهُ-: «وَأَمَّا فَرَحُهُ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، فَفِيمَا يَجِدُهُ عِنْدَ اللهِ مِنْ ثَوَابِ الصِّيَامِ مُدَّخَرًا».

وَقَالَ تَعَالَى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].

 وقَالَ مُجَاهِدٌ –رَحِمَهُ اللهُ- فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة:24]: إِنَّ الأَيَّامَ الْخَالِيَةَ هِيَ أَيَّامُ الصِّيَامِ، أَيْ: كُلُوا وَاشْرَبُوا بَدَلَ مَا أَمْسَكْتُمْ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِوَجْهِ اللهِ. فَيَا أَيُّهَا الْمَقْبُولُونَ: هَنِيئًا لَكُمْ، وَيَا أَيُّهَا الْمَرْدُودُونَ: جَبَرَ اللهُ مُصِيبَتَكُمْ.

اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَـرُ اللهُ أَكْبَـرُ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ.

مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:

مَنْ عَمِلَ بِرَمَضَانَ صِيَاماً وَقِيَاماً، وَعَنِ الذَّنْبِ بُعْدًا وَفِرَارًا، فَلَا يُضَيِّعْ مَا سَبَقَ بِتَرْكِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الصَّالِحَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ قَبُولِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ: أَنْ يُوَفَّقَ الْمَرْءُ بَعْدَهُ إِلَى عَمَلٍ صَالِحٍ يَدُومُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يُشِيرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» [رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] .

مَنِ اجْتَهَدَ بِالطَّاعَاتِ فَلْيَحْمَدِ اللهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، وَلْيَزْدَدْ مِنْهَا، وَلَيْسَأَلْ رَبَّهُ الْقَبُولَ؛ قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].

وَقَدْ حَذَّرَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَكُونَ مِنَ الَّذِينَ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ فِي زَمَنٍ مِنَ الْمَوَاسِمِ، ثُمَّ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) [النحل:92]، فَهَذَا مَثَلٌ لِمَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ بَعْدَ تَوْكِيدِهِ، وَأَسَاءَ فِي صُنْعِهِ بَعْدَ إِحْسَانِهِ وَتَجْوِيدِهِ.

اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَـرُ اللهُ أَكْبَـرُ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ.

عِبَادَ اللهِ:

فِي الْعِيدِ تَتَصَافَى الْقُلُوبُ، وَتَتَصَافَحُ الأَيْدِي، وَيَتَبَادَلُ الْمُسْلِمُونَ التَّهَانِيَ، وَإِذَا كَانَ فِي الْقُلُوبِ رَوَاسِبُ خِصَامٍ أَوْ بَقَايَا أَحْقَادٍ فَإِنَّهَا فِي الْعِيدِ تَتَلَاشَى وَتُبَادُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوُجُوهِ الجَفْوَةُ وَالْعُبُوسُ فَإِنَّ الْعِيدَ يُدْخِلُ الْبَهْجَةَ عَلَى الأَرْوَاحِ وَالنُّفُوسِ، كَأَنَّمَا الْعِيدُ فُرْصَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لِيَتَطَهَّرَ مِنْ دَرَنِ الأَخْطَاءِ، فَلَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ إِلَّا بَيَاضُ الأُلْفَةِ وَالصَّفَاءِ، لِتُشْرِقَ الدُّنْيَا مِنْ حَوْلِهِ فِي اقْتِرَابٍ مِنْ أَقَارِبِهِ وإِخْوَانِهِ، وَمَعَارِفِهِ وَجِيرَانِهِ، إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَقَدْ بَاعَدَتْ بَيْنَهُمَا الْخِلَافَاتُ، أَوْ قَعَدَتْ بِهِمَا الْحَزَازَاتُ، فَأَعْظَمُهُمَا أَجْرًا الْبَادِئُ أَخَاهُ بِالسَّلَامِ، فَلْتَغْتَنِمْ هَذِهِ الْفُرْصَةَ، وَلْتُجَدِّدِ الْمَحَبَّةَ، وَتُحِلَّ الْمُسَامَحَةَ وَالْعَفْوَ مَحَلَّ الْعَتْبِ وَالْهِجْرَانِ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ، مِنَ الأَقَارِبِ وَالأَصْدِقَاءِ وَالْجِيرَانِ، وَتَذَكَّرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].

 وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: «فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» [صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]. 

وَاسْتَمِعْ مَعِي إِلَى حَدِيثٍ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].

أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ الْمُتَـبَاغِضُونَ، وَهُبُّوا لإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ أَيُّهَا المُتَدَابِرُونَ، وَكُونُوا عَوْنًا لِأَنْفُسِكُمْ وَإِخْوَانِكُمْ عَلَى الشَّيْطَانِ وَمَدَاخِلِهِ، وَلَا تَكُونُوا أَسْرَى لِحِيَلِ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسِهِ.

أُمَّةَ الإِيمَانِ:

إِنَّ المُسْلِمَ لَيَفْرَحُ بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيُسَرُّ بِمَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِالإِسْلَامِ، وَطَهَّرَ قَلْبَهُ بِالإِيمَانِ، وَعَطَّرَ لِسَانَهُ بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58]. 

وَعَلَى قَدْرِ حَيَاةِ القَلْبِ بِالإِيمَانِ وَالقُرْآنِ يَكُونُ فَرَحُهُ، وَكُلَّمَا رَسَخَ ذَلِكَ كَانَ قَلْبُهُ أَشَدَّ فَرَحًا.

اليَوْمُ الَّذِي يَمُرُّ دُونَ أَنْ نَقْتَرِفَ مَعْصِيَةً هُوَ يَوْمُ فَرَحٍ، وَلِلتَّوْبَةِ فَرْحَةٌ عَجِيبَةٌ، وَلَذَّةٌ إِيمَانِيَّةٌ لَا تُقارَنُ بِلَذَّةِ المَعْصِيَةِ الزَّائِفَةِ.

يَدُومُ الفَرَحُ بِإِزَالَةِ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلْهُمُومِ وَالْغُمُومِ، وَتَحْصِيلِ الأَسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلسَّعَادَةِ والسُّرُورِ، فَلَا يَقْلَقُ المُسْلِمُ مِنَ الفَقْرِ وَالخَوْفِ وَمُسْتَقْبَلِ حَيَاتِهِ؛ فَالقَدَرُ مَكْتُوبٌ لَهُ مِنْ بِدَايَتِهِ إِلَى وَفَاتِهِ، قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3].

وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَدُومَ فَرَحُكَ وَيَبْقَى، وَيُرْفَعَ ذِكْرُكَ وَيَرْقَى، فَاعْمَلْ عَلَى أَنْ تَمْسَحَ دَمْعَةَ الْيَتِيمِ، وَتُدْخِلَ السُّرُورَ عَلَى البَائِسِ الْفَقِيرِ، وَتَزْرَعَ البَسْمَةَ عَلَى شِفَاهِ المَحْرُومِينَ، بِمُوَاسَاةِ المَكْلُومِينَ وَالمَهْمُومِينَ.

وَإِذَا جَمَّلْتَ بَاطِنَكَ وَعَلَانِيَتَكَ، فُزْتَ بِدُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ؛ فَصِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199].

وَعَجِيبٌ أَمْرُ المُؤْمِنِ، يَفْرَحُ فِي السَّرَّاءِ وَيَصْبِرُ عَلَى الضَّرَّاءِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». بَلْ إِنَّ الصَّابِرِينَ يُقَابِلُونَ الاِبْتِلَاءَ بِالفَرَحِ؛ لِأَنَّ الاِبْتِلَاءَ يُفْضِي إِلَى مَحْوِ السَّيِّئَاتِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ مُعِيدِ الْجُمَعِ وَالأَعْيَادِ، وَمُبِيدِ الأُمَمِ وَالأَجْنَادِ، وَجَامِعِ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا نِدَّ وَلَا مُضَادَّ، وَأَشْهَـدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَحَافِظُوا عَلَى الفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ؛ تَفُوزُوا بِرِضْوَانٍ مِنْ رَبِّـكُمْ وَجَنَّاتِ عَدْنٍ.

اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَـرُ اللهُ أَكْبَـرُ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ.

مَعَاشِرَ المُؤْمِنِينَ:

فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الأَغَرِّ خَطَبَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّجَالَ، ثُمَّ خَطَبَ النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَلَمْ تَزَلْ مَوَاكِبُ تِلْكَ الصَّالِحَاتِ مُتَتَابِعَةً بِالإِحْسَانِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَكُنَّ -أَيَّتُهَا المُؤْمِنَاتُ الفَاضِلَاتُ- خَيْرَ خَلَفٍ لِخَيْرِ سَلَفٍ، وَبِحَمْدِ اللهِ وَحْدَهُ تَفِيضُ مُجْتَمَعَاتُنَا الْيَوْمَ بِالْقُدُوَاتِ الصَّالِحَاتِ الْمُصْلِحَاتِ فِي الْبُيُوتِ وَدُورِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ وَالْمَدَارِسِ وَغَيْرِهَا، فَهُنَّ مَفْخَرَةُ الأُمَّةِ وَاعْتِزَازُهَا، وَصِمَامُ أَمَانِهَا وَأُسُّ بُنْيَانِهَا، فَعَلَيْكُنَّ بِصُحْبَةِ كُلِّ تَقِيَّةٍ نَقِيَّةٍ، وَاحْذَرْنَ التَّسَاهُلَ فِي الْمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَطُوبَى لِمَنْ آثَرْنَ الْهُدَى عَلَى الضَّلَالِ، وَالْعَفَافَ وَالْحِشْمَةَ وَالْحَيَاءَ عَلَى مَا سِوَاهَا.

اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، اللهُ أَكْبَـرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَـرُ اللهُ أَكْبَـرُ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

لِلَّهِ فِي دَهْرِكُمْ خَيْرَاتٌ وَبَرَكَاتٌ وَأَعْمَالٌ صَالِحَاتٌ، وَأَنْتُمْ تَسْتَقْبِلُونَ شَهْراً كَرِيمًا شَرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ صِيَامَ سِتٍّ مِنْهُ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».

وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ] 

وَهِيَ سُنَّةٌ يَصُومُهَا الصَّائِمُ إِنْ شَاءَ مُتَتَابِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً.

يَا أَهْلَ الْعِيدِ السَّعِيدِ:

اجْعَلُوا هَذَا اليَوْمَ فُسْحَةً بَعْدَ الصِّيَامِ، وَفَرْحَةً بَعْدَ نِعْمَةِ التَّمَامِ، بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، بِالفَرَحِ المَشْرُوعِ، وَالْحَذَرِ مِنَ المَمْنُوعِ، أَطْلِقُوا الفَرَحَ وَالاِبْتِسَامَةَ، وَابْتَعِدُوا عَنِ الْعِتَابِ وَالْمَلَامَةِ، وَبِهَذَا تَتَصَافَحُ النُّفُوسُ المُطْمَئِنَّةُ، وَتَتَلَاقَى القُلُوبُ المُؤْمِنَةُ، جَعَلَ اللهُ عِيدَكُمْ سَعِيدًا، وَعَمَلَكُمْ صَالِحًا رَشِيدًا.

هَذَا وَصَلُّوا عَلَى إِمَامِ الهُدَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ الَأَنَامِ، كَمَا أَمْرَكُمْ رَبُّكـُمْ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]

 اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. 

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ.

خطبة عيد الفطر مكتوبة



عن الكاتب

عبدالغفار العماوي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

موقع الشيخ عبدالغفار العماوي