موقع الشيخ عبدالغفار العماوي

أدعو إلى الله على بصيرة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

هل تبحث عن السكينة والطمأنينة؟| خطبة الجمعة مكتوبة


أسبابُ الطمأنينَةِ والسَّكِينَةِ

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.

أمّا بَعْدُ: عبادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ تعالَى، وابذُلُوا أسبابَ الفوزِ برحمةِ اللهِ، واعلَموا أنَّ العبدَ تمرُّ به أحياناً ساعاتٌ حَرِجَةٌ، ولَـحَظَاتُ قَلَقٍ واضطِرَابٍ، وقدْ يُصَاحِبُها شيءٌ من الخوفِ أو الهمِّ والحُزْنِ، فيحتاجُ إلى أنْ تُفْتَحَ له أبوابُ السَّكِينَةِ والطمأنينةِ، وتغشَاهُ الرَّحْمَةُ، كي يذوقَ طعمَ الرَّاحَةِ والسعادةِ؛ لأنَّ النفسَ تحتاجُ دائماً إلى ما يُلَطِّفُ أجواءَها، لِتَصفوَ وتَرْتقيَ في دَرَجَاتِ الفلاحِ وتعْلُو.

والعقيدةُ الصحيحةُ التي بُعِثَ بها رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، والعملُ الصالحُ الذي هو مُقْتَضَى هذه العقيدةِ، هما أعظمُ أسبابِ السعادَةِ، وطمأنينَةِ النفسِ، وراحَةِ البالِ، وهما الدَّافِعُ القويُّ إلى التَّغَلُّبِ على جميعِ الـمَخَاوِفِ والقَلَقِ والهمومِ.

والإنسانُ بدونِ ذلك، يكونُ فريسَةً للأوهامِ والشكوكِ التي ربَّما تتراكَمُ عليه، فَتَحْجُبُ عنه الرؤيةَ الصحيحةَ لدروبِ الحياةِ السعيدةِ، حتى تضيقَ عليه حياتُه ثم يحاوِلُ التَّخَلّصَ من هذا الضِّيْقِ ولو بإنهاءِ حياتِه -والعياذُ باللهِ-، كما هو الواقِعُ من كثيرٍ من الأفرادِ الذين فَقَدُوا هدايةَ العقيدةِ الصحيحَةِ والإيمانِ والعملِ الصالحِ.

ويُضَافُ إلى ذلك بذلُ الأسبابِ الجالِبَةِ إلى الطمأنِينَةِ والسكينَةِ وراحَةِ البالِ، خصوصاً عندَ انتشارِ الـمَخَاوِفِ، واشتدادِ الأمورِ، والتي منها:

1- الإيمان بالله عزوجل:

سبب من أسباب ثبات القلب ونور العقل.

قال الله تعالى:﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ (الأنعام:١٢٥)

وقال تعالى: ﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾

2- كثْرَةُ الدُّعَاءِ، وملازَمَةُ أورادِ الصباحِ والمساءِ، فإنَّ لذلك تأثيراً عجيباً لا يشْعُرُ به إلا مَنْ حَافَظَ على ذلك، ومَنْ قَرَأَ ما وَرَدَ في فضلِ هذه الأورادِ تَبَيَّنَ له ذلكَ.


3- ذكر الله تعالى:

ثم إنَّ ملازَمَةَ الذكرِ والاستغفارِ مطلقاً سَبَبٌ عظيمٌ لطمأنينَةِ النفسِ، ونُزُولِ السكينةِ، وتقويةِ القلبِ: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

4- الاستجابة لأوامر الله تعالى:

ومن أعظمها الصلاة فهي محل السكينة.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول أرحنا بها يا بلال.

5-ومن ذلك أيضاً: التوبةُ من المعاصي، والتَّخَلُّصُ من المظالمِ، وحقوقِ الناسِ، فإنَّ أعظمَ ما يُقْلِقُ المؤمنَ ذُنُوبُه والحقوقُ التي عليه، خصوصاً عندما يتذَّكَّرُ الموتَ ولقاءَ اللهِ.

فَكُلَّما كانَ العَبْدُ ملازماً للتوبةِ بعيداً عن كلِّ ما يُشْغِلُ ذِمَّتَه فيما يَتَعَلَّقُ بحقوقِ العبادِ كان أكثرَ طَمَأنينةً وراحةً وسعادةً.

ولِعِلْمِهِ أيضاً أنَّ الظُلْمَ والذنوبَ من أعظمِ أسبابِ العُقُوباتِ في الدنيا قبلَ الموتِ، فَتَجِدُه في قَلَقٍ من ذلك.

6- التفكر في آيات الله الكونية والشرعية.

7- ومن أسبابِ الطَّمَأنِينَةِ والسكينةِ الإيمانُ بالقضاءِ والقَدَرِ، وأنَّ ما أصَابَك لمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك، وما أخطَأَك لمْ يكُنْ ليصيبَك.

8- تذكر الموت: 

ويدخُلُ في ذلك ما يتعلَّقُ بالموتِ ومفارَقَةِ الحياةِ، وذلك بأنْ تُوقِنَ بأنَّك لن تموتَ إلا بإذنِ اللهِ كتاباً مؤجَّلاً، في اليومِ والساعَةِ والمكانِ والسبَبِ الذي قَدَّرَه اللهُ سبحانَه، ليسَ لأحَدٍ كائناً مَنْ كانَ أنْ يُقَدِّمَ في ذلك شيئاً أو يُؤَخِّرَه.

9- ومن الأسبابِ أيضاً الإقبالُ على عَمَلِ الآخرةِ وَحَمْلُ هَمِّها.

فإنَّ الانشغالَ بالدنيا هو الذي يجعلُ العبدَ يبذُلُ سَعْيَه فيها ويَبْنِي كُلَّ آمالِه فيها، فإذا ما تَذَكَّرَ الموتَ شعرَ بأنَّه خَسِرَ كُلَّ شيءٍ وَكُلَّ ما بَنَاه، ولو أنَّه جَعَلَ سعيَه لِما بعدَ الموتِ ما حَزِنَ على فِرَاقِ الدنيا إلا من أجْلِ التَّزَوُّدِ بالطاعةِ. قيلَ لأبي ذَرٍّ -رضيَ اللهُ عنه-: ما بالُنا نَكْرَهُ الموتَ؟، قالَ: (لأنَّكم عَمَّرتم الدنيا، وخَرّبتم الآخرةَ، فَتَكْرَهون الانتقالَ من العُمْرِانِ إلى الخرابِ).

باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم؛ وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُون، وَأسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الخطبةُ الثانِيَةُ

الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ، وَالعَاقِبةُ للمُتّقِينَ، وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمينَ، وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.

 أمَّا بعدُ: عبادَ اللهِ: لِيَعْلَمَ المؤمِنُ أنَّ من مُكَفِّرَاتِ الذنوبِ ما يُصِيْبُ المؤمِنَ مِنْ نَصَبٍ وهمٍّ وحُزْنٍ وغَمٍّ وَوَصَبٍ، كما أخبرَ بذلك رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ-.


ومِن أدعِيَةِ الكَرْبِ قولُه عليه الصلاةُ والسَّلامُ: «لا إِلَه إِلاَّ اللَّهُ العظِيمُ الحلِيمُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السمَواتِ، وربُّ الأَرْض، ورَبُّ العرشِ الكريمِ».

وذَكرَ أهلُ العلمِ أنَّ لقراءةِ آياتِ السَّكينَةِ أثراً في طَمَأنِينَةِ القلبِ وسُكُونِه، خصوصاً عندَ الخوفِ والهَلَعِ والتَّوَتُّرِ وانزعاجِ النفسِ، قالَ ابنُ القَيِّمِ -رحمَهُ اللهُ-: (وكانَ شيخُ الإسلامِ إذا اشْتَدَّتْ عليه الأمورُ قرأَ آياتِ السكينةِ).

وقالَ أيضاً: (وقَدْ جَرَّبْتُ قراءةَ هذه الآياتِ عندَ اضطرابِ القَلَبْ بما يَرِدُ عليه، فوجدت لها تأثيراً عظيماً في سكونِه وطمأنينَتِه).

وآياتُ السَّكِينَةِ، هي قولُه تعالَى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [البقرة: 248].

وقولُه تعالَى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام: 13].

وقولُه تعالَى: ﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 26].

وقولُه تعالَى: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40].

وقولُه تعالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح:4].

وقولُه تعالَى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 18]. 

وقولُه تعالَى: ﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ [الفتح: 26].

اللهُمَّ عَلِّمْنَا ما ينفَعُنا، وانفَعْنَا بما عَلَّمْتَنا، اللهُمَّ حَبِّبْ إلينا الإيمانَ وزَيِّنْه في قلوبِنا، وكَرِّهْ إلينا الكُفْرَ والفُسُوقَ والعصيانَ واجْعَلْنا من الراشِدِينَ.

عِبَادَ اللهِ: صَلُّوا وسَلِّمُوا على رسولِ اللهِ كَمَا أَمَرَكُم اللهُ في قولِه تعالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

 اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ. اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَأَتْبَاعِهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ. 

 اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِيْنَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِيْنَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِيْنَ، وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ، وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُم، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. 

اللَّهُمَّ الْطُفْ بِإِخْوَانِنَا فِي فِلِسْطِينَ وَالسُّوْدَانِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الْغَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالرِّبَا، وَالزِّنَا، وَالزَّلَازِلَ وَالْمِحَنَ، وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، عَنْ بَلَدِنَا هَذَا خَاصَّةً وَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً. 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لنا دِيننا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا، وَأَصْلِحْ لنا آخِرتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لنا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللَّهُمَّ إِنا نعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ.

هل تبحث عن السكينة والطمأنينة؟| خطبة الجمعة مكتوبة


عن الكاتب

عبدالغفار العماوي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

موقع الشيخ عبدالغفار العماوي