موقع الشيخ عبدالغفار العماوي

أدعو إلى الله على بصيرة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

القدس قضية المسلمين الأولى | خطبة الجمعة مكتوبة

 إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. 

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [ آل عمران: 102].  

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

 (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزًا عَظِيمًا)  [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.

فَأُوصِيكُمْ - عِبَادَ اللهِ - وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.

أُمَّةَ الإِسْلاَمِ: سَنَتَحَدَّثُ الْيَوْمَ عَنْ جُرْحِنَا النَّازِفِ، سَنَتَحَدَّثُ عَنِ الأَقْصَى الْجَرِيحِ، فَالْمَسْجِدُ الأَقْصَى خَصَّهُ رَبُّنَا بِالْمَآثِرِ الْكَرِيمَةِ، وَالْفَضَائِلِ الْعَظِيمَةِ، وَالْبَرَكَاتِ الْوَفِيرَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى وَصَفَ الْمَسْجِدَ الأَقْصَى فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالْبَرَكَةِ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ فِي الْخَيْرِ وَالْمِنَحِ وَالْهِبَاتِ، قَالَ تَعَالَى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء:1]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي هِجْرَتِهِ الأُولَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبِلاَدِ الشَّامِ: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:71]، وَفِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- يَقُولُ تَعَالَى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) [الأنبياء:81]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ عَلَى لِسَانِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [المائدة:21].

وَمِنْ فَضَائِلِ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، أَنَّهُ ثَانِي الْمَسَاجِدِ وَضْعاً فِي الأَرْضِ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الأَقْصَى»، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

وَمِنْ فَضَائِلِ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى: أَنَّهُ قِبْلَةُ الْمُسْلِمِينَ الأُولَى، وَهُوَ مَسْرَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ فِيهِ أَعْظَمُ اجْتِمَاعٍ فِي التَّارِيخِ، اجْتَمَعَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ الأَنْبِيَاءِ وَالْرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-، وَصَلَّى بِهِمْ جَمِيعاً إِمَاماً فِي لَيْلَةِ الإِسْرَاءِ، وَهُوَ مِنَ الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ الَّتِي يُشْرَعُ شَدُّ الرِّحَالِ إِلَيْهَا بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الاِهْتِمَامِ الَّذِي أَوْلاَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لِلأَقْصَى الْمُبَارَكِ، حَيْثُ رَبَطَ قِيمَتَهُ وَبَرَكَتَهُ مَعَ قِيمَةِ وَبَرَكَةِ هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ.

وَمِنْ فَضَائِلِهِ أَيْضاً: أَنَّ أَجْرَ الصَّلاَةِ فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَجْرِ الصَّلاَةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ فَضَائِلِ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى: أَنَّ إِتْيَانَهُ بِقَصْدِ الصَّلاَةِ فِيهِ يُرْجَى أَنْ يُكَفِّرَ الذُّنُوبَ، وَيَحُطَّ الْخَطَايَا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللهَ ثَلاَثاً: حُكْماً يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكاً لاَ يَنْبَغِي لأِحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنْ لاَ يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ فِيهِ؛ إِلاَّ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ].

كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَشَّرَ بِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَمِنْ مُؤَيِّدَاتِ هَذِهِ الْبِشَارَةِ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ...» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ: إِنَّ شَأْنَ الْقُدْسِ شَأْنُ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ بِنَصِّ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ فِي تِلْكَ الأَرْضِ الْمُبَارَكَةِ، يُقَابِلُهُ وَاجِبُ النُّصْرَةِ بِكُلِّ صُوَرِهِ؛ فَالْحُجَّةُ تَبْقَى قَائِمَةً مَعَ الْحَقِّ وَأَهْلِهِ، وَعَلَى الظُّلْمِ وَأَهْلِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

وَلَعَلَّ مَا كَانَ مِنِ اسْتِقْبَالِ الْمُسْلِمِينَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فِي الصَّلاَةِ -أَوَّلاً- تَنْبِيهٌ لَهُمْ إِلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْقِيَامُ بِهِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ: مِنَ الْحِفَاظِ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُدَنَّسَ برِجْسِ الْوَثَنِيَّةِ أَوِ الْمَعَاصِي، وَلِتَبْقَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَالِدَةً فِي أَذْهَانِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى لاَ تُنْسَى مَا بَقِيَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ يُتْلَى، وَمَا بِقَيَتْ قُلُوبُهُمْ عَامِرَةً بِالإِيمَانِ وَالتَّقْوَى.

وَلَقَدْ مَكَّنَ اللهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي عَهْدِ الصَّدْرِ الأَوَّلِ؛ فَأَقَامُوا فِيهِ الصَّلاَةَ، وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَثَبَتَ دِينُ اللهِ فِي الأَرْضِ، وَمَا زَالَ -وَالْحَمْدُ للهِ تَعَالَى- كَذَلِكَ، وَإِنْ قَامَ الطُّغْيَانُ فِيهِ وَصَالَ وَجَالَ؛ فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ زَائِلٌ, كَمَا أَذِنَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: )فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا( [الإسراء:5-6].

إِنَّ هَذَا الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ بَقِيَ وَسَيَبْقَى إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى عَلَى الرَّغْمِ مِنَ الْمِحَنِ الَّتِي عَصَفَتْ وَتَعْصِفُ بِالْمُسْلِمِينَ: حِصْنَ الإِسْلاَمِ وَمَعْقِلَ الإِيمَانِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَسَلاَمٌ عَلَى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْعَلِيُّ الأَعْلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُرْسَلُ بِالْهُدَى، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اقْتَفَى.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَبِالتَّقْوَى نَنَالُ الْعِزَّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ: لاَ تَزَالُ أُمَّتُكُمُ الإِسْلاَمِيَّةُ هَدَفاً لِلأُمَمِ الْكَافِرَةِ، وَلَقَدْ رُزِئَتِ الأُمَّةُ الإِسْلاَمِيَّةُ بِالْيَهُودِ الْمُعْتَدِينَ فِي الأَرْضِ الْمُبَارَكَةِ فِلَسْطِينَ، وإِنَّ قَضِيَّةَ فِلَسْطِينَ قَضِيَّةُ الْقَضَايَا، وَهِيَ قَضِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ الأُولَى فِي هَذَا الْعَصْرِ.

إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ: لَقَدْ سَلَبَ الْيَهُودُ الْخَوَنَةُ مِنَ ذَلِكَ الشَّعْبِ الْمُسْلِمِ أَرْضَهُ، وَشَرَّدُوهُ مِنْ مَسَاكِنِهِ، وَاعْتَدَوْا عَلَى مَسَاجِدِهِ وَمُقَدَّسَاتِهِ، بَلْ سَامُوهُ سُوءَ الْعَذَابِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة:82].

هَدَمَ الْيَهُودُ دِيَارَهُمْ، وَأَتْلَفُوا زُرُوعَهُمْ، وَفَعَلُوا بِهِمْ مَا لاَ يَحْتَمِلُهُ غَيْرُهُمْ، وَهُمْ صَابِرُونَ صَامِدُونَ مُرَابِطُونَ، فَلَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَقُّ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ بِأَنْ يُفْرِّجَ اللهُ تَعَالَى كُرْبَتَهُمْ، وَيُقَوِّيَ عَزِيمَتَهُمْ، وَيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَيَنْصُرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَيُحَرِّرَ الأَقْصَى عَلَى أَيْدِيهِمْ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران:126]

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْمُسْتَقْبَلَ لِهَذَا الدِّينِ بِلاَ مُنَازِعٍ، لَكِنَّهُ لاَ يَتَحَقُّقُ بِالْمُعْجِزَاتِ السِّحْرِيَّةِ، وَإِنَّمَا بِالْعَمَلِ وَالْبَذْلِ للهِ مِنْ مُنْطَلَقَاتٍ صَحِيحَةٍ عَلَى مَنْهَجِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَإِنَّ مِحْنَةَ فِلَسْطِينَ لَيْسَتْ هِيَ الأُولَى وَلاَ الأَخِيرَةَ، فَقَدْ تَعَرَّضَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ لِمِحَنٍ كَثِيرَةٍ وَقَاسِيَةٍ, وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَسْتَسْلِمْ لِلْجِرَاحِ وَلَمْ تَيْأَسْ، وَظَلَّتْ تُكَافِحُ وَتُجَاهِدُ حَتَّى نَصَرَهَا اللهُ عَلَى أَعْدَائِهَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]

 اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. 

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.

 اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنْدَكَ الْمُوَحِّدِينَ.

القدس قضية المسلمين الأولى / خطبة الجمعة مكتوبة


عن الكاتب

عبدالغفار العماوي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

موقع الشيخ عبدالغفار العماوي