الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) .
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )
أما بعد
فاتقوا الله أيها المسلمون
واعلموا أن هذه الدنيا دار الهموم والغموم والأكدار .
فما من إنسان إلا ويمر بهذه الدنيا بكرب أو هم أو غم .
فمن فرح إلى ترح ، ومن ترح إلى فرح .
هكذا الدنيا
قال تعالى عن أهل الجنة إذا دخلوها ( قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوب ) .
هكذا خلق الله هذه الدنيا ، لأنه لا كمال ولا سعادة أبدية إلا بالجنة .
لكن من رحمة الله : أنه وضع أسباباً تذهب الهموم ، وتبعد الغموم ، وتزيل الكروب .
رفعة في الدرجات ، وعلواً في المنازل والكرامات .
فمنها :
أولا : المحافظة على الصلوات بأوقاتها .
فالمحافظة على الصلاة في أوقاتها من أعظم أسباب انشراح الصدر ، وذهاب الهم والغم .
قال تعالى ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) .
كان صلى الله عليه وسلم يقول لبلال : ارحنا بها .
ولما كسفت الشمس خرج صلى الله عليه وسلم يجر رداءه خائفاً يخشى أن تكون الساعة ، ثم صلى
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : والصلاة نور .
ثانيا : الدعاء بإذهاب الهم والحزن
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والبخل والجبن ، وضلع الدين وقهر الرجال ) .
ومن الأدعية النافعة العظيمة دعاء نبي الله يونس عليه السلام .
قال تعالى ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) .
ومن أعظم الأدعية التي ينبغي للمسلم أن يكررها دوماً وأبداً :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )
ثالثاً : ومنها بل من أعظمها : الإخلاص لله تعالى في الطاعات وفي العبادات وفي كل ما يقرب إلى رب السماوات والأرض .
فحديث الثلاثة الذين كانوا يسيرون فدخلوا إلى غار فانطبقت عليهم صخرة …
فقال أحدهم : إِنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ .
فدعى كل واحد منهم بصالح عمله فكان كل واحد منهم يقول بعد أن يذكر ما قام به من عمل :
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة .
وإذا كان الكفار وهم كفار إذا أخلصوا لله استجاب الله دعاءهم فكيف بالمسلم .
قال تعالى ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) .
رابعاً : تفريج الكروب وتنفيس الهموم عن المسلمين .
قال صلى الله عليه وسلم ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيَا ، نَفَّسَ الله عَنْهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كرَبِ يَومِ القِيَامَة ) .
وقال عليه الصلاة والسلام ( مَنْ كَانَ في حَاجَة أخِيه ، كَانَ اللهُ في حَاجَتِه ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( والله في عَونِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَونِ أخِيهِ ) .
بل إن تفريج الكروب ابتغاء وجه الله سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة :
قال تعالى عن أولئك الأبرار : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) .
خامساً : كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
فمن أراد أن تذهب همومه ، وأن تقل غمومه ، وأن تكثره خيراته ، فليلهج بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
قال صلى الله عليه وسلم لرجل قد أكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا تكفى همك ، ويغفر ذنبك ) .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الأولين والآخرين
أما بعد
فاتقوا الله أيها المسلمون .
واعلموا : أن الهموم والغموم حسنات وخيرات :
عن صهيب قَالَ : قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ( عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ للمُؤْمِن : إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ ) رواه مسلم .
وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضيَ الله عنهما ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( مَا يُصيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ ، وَلاَ حَزَنٍ ، وَلاَ أذَىً ، وَلاَ غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ ) متفق عليه .
واعلموا أيضاً : أن الهموم والغموم فيها معرفة لقدر الدنيا وحقارتها وتذكير بالدار التي لا هم فيها ولا غم .
قال تعالى عن أهل الجنة أنهم قالوا ( قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) .
قال أحد العلماء: عجبت لأربعة كيف يغفلون عن أربع ؟
عجبت لمن أصابه ضر كيف يغفل عن قول الله تعالى ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِين ) .
وعجبت ممن أصابه هم وحزن كيف يغفل عن قول الله تعالى ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِين ) .
وعجبت لمن مكر به الناس كيف يغفل عن قول الله تعالى ( وأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد ) قال لله ( فوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَاب ) .
وعجبت لمن أصابه الخوف كيف يغفل عن قول الله تعالى ( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل ) ، وربنا يقول ( فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء ) .
فقد جاء في صحيح البخاري: أن آخر كلمة قالها إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار: "حسبي الله ونعم الوكيل"، وقالها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عندما قالوا له: "إن الناس قد جمعوا لكم": (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء ) .
هذا وصلوا على النبي الكريم : إن الله وملائكته يصلون على النبي ....
اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن .
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها .
اللهم إنا نسألك الهدى والتقي ، والعفاف والغنى .