الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
فيا أيها المؤمنون
قال الله تعالى : (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) ۞ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)
هذه الآيات المباركات من سورة التوبة التي قال عنها أهل التفسير إنها السورة التي فضحت المنافقين!
قال المفسرون في تفسيرها: أمر الله تعالى بالنفير العام مع الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - عام غزوة تبوك، لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب، وحتم على المؤمنين في الخروج معه على كل حال في المنشط والمكره والعسر واليسر، فقال : ( انفروا خفافا وثقالا )
والمعنى: انفروا كهولا وشبابا، وأغنياء ومساكين، في العسر واليسر، وفي الغنى والفقر.
كل على حسب حاله يجاهد في سبيل الله عزوجل.
ثم رغب تعالى في النفقة في سبيله، وبذل المهج في مرضاته ومرضاة رسوله ، فقال : ( وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) أي : هذا خير لكم في الدنيا والآخرة، ولأنكم تغرمون في النفقة قليلا فيغنمكم الله أموال عدوكم في الدنيا، مع ما يدخر لكم من الكرامة في الآخرة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرده إلى منزله نائلا ما نال من أجر أو غنيمة .
ولهذا قال تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) [ البقرة : 216 ] .
ونحن الآن أيها المسلمون نرى أخواننا في فلسطين الأبية وغزة العزة قاتلون أعداء الاسلام من اليهود الملاعين فنستطيع أن نشاركهم الجهاد ولو بالمال إن عجزنا عن الجهاد بالنفس ولا عذر لنا.
فكل مؤمن يجب عليه الآن أن يعيش هذه القضية وتكلم المشاعر وأن يجاهد مع إخوانه قدر استطاعته.
ويكون الجهاد بالمال وبالدعاء على أقل الأحوال ( معذرة إلى ربكم).
ثم بين ربنا عزوجل حال بعض المتخلفين عن الجهاد.
فيقول تعالى موبخا للذين تخلفوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، وقعدوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما استأذنوه في ذلك ، مظهرين أنهم ذوو أعذار، ولم يكونوا كذلك ، فقال : ( لو كان عرضا قريبا ) قال ابن عباس : غنيمة قريبة، ( وسفرا قاصدا ) أي : قريبا أيضا، ( لاتبعوك ) أي : لكانوا جاءوا معك لذلك، ( ولكن بعدت عليهم الشقة ) أي : المسافة إلى الشام، ( وسيحلفون بالله ) أي : لكم إذا رجعتم إليهم ( لو استطعنا لخرجنا معكم ) أي : لو لم تكن لنا أعذار لخرجنا معكم، قال الله تعالى : ( يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون )
سبحان الله يتكلمون بهذه الحجج الواهية التي لا تغني ولا تسمن من جوع!
وبين الله عزوجل أنها كلها أعذار كاذبة واهية.
ثم قال الله عزوجل للنبي صلى الله عليه وسلم عتابًا رقيقًا.
عن مسعر عن عون قال : هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا ؟ بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال : ( عفا الله عنك لم أذنت لهم )
وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في أناس قالوا : استأذنوا رسول الله، فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا .
ولهذا قال تعالى : ( حتى يتبين لك الذين صدقوا ) أي : في إبداء الأعذار ، ( وتعلم الكاذبين )
عندما نزلت هذه الآيات على الصحابة الكرام جاهدوا في سبيل الله عزوجل وضحوا بالغالي والنفيس من أجل دين الله عزوجل.
ومن هؤلاء المجاهدين
أَبُو طلحة الأَنْصَارِيّ، شهد العقبة، ثم شهد بدرًا وما بعدها من المشاهد.
وَكَانَ آدم مربوعًا، وَكَانَ من الرماة المذكورين من الصحابة. وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لصوت أبي طلحة فِي الجيش خير من مائة رجل.
وقيل: إنه قتل يوم حنين عشرين رَجُلا وأخذ أسلابهم.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يَوْمَ حُنَيْنٍ: مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلا وَأَخَذَ أَسْلابَهُمْ.
وعَنْ أنس بْن مالك، قَالَ: كَانَ أَبُو طلحة يجثو بين يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحرب ويقول:
نفسي لنفسك الفداء ... ووجهي لوجهك الوقاء
ثم ينشر كنانته بين يديه، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لصوت أبي طلحة فِي الجيش خير من مائة رجل.
عَنْ أنس، قَالَ: كَانَ أَبُو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يرفع رأسه من خلف أبي طلحة ليرى مواقع النبل.
قال: وكان أَبُو طلحة يتطاول بصدره يقي به رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقول: نحري دون نحرك.
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَرَدَ الصَّوْمَ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَنَّهُ رَكِبَ الْبَحْرَ فَمَاتَ فَدُفِنَ فِي جَزِيرَةٍ.
ومن المجاهدين الأبطال: الصحابي المجاهد أبوعبيدة بن الجراح رضي الله عنه الملقب بـ "أمين الأمة" وقد خرج على رأس ٣٠٠ من أصحابه لملاقاة قافلة قريش.
ولإظهار منعة المسلمين أمام قبيلة جهينة وتحييدها في أي خصومة مع قريش بحيث لا تنحاز للمشركين أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية الخبط.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في حشد من الصحابة وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى حي من جهينة.
ولم يلق جيش المسلمين كيدًا، غير أنهم أصابهم الجوع الشديد فأكلوا الخبط وهو ورق الشجر، وابتاع لهم قيس بن سعد بن عبادة جزرًا (بعيرا) ونحرها لهم .
وقيل أن الصحابة تقرحت أشداقهم بفعل الجوع، وقد أعطى أبو عبيدة للواحد منهم تمرة يمصها ثم يصرها في ثوبه.
ولما بلغ نبأ الجذور التي ذبحها قيس لإطعام الجيش، قال النبي ﷺ: «إنه في بيت جود» (رواه البخاري)
وكان عمر بن الخطاب وأبو عبيدة قد نهيا قيس عن الاستمرار في ذبح الجذور قائلين إنما ينفق مال أبيه.
وحدث أن ألقى لهم البحر حوتا يقال له (العنبر) فأكلوا منه نصف شهر وصحت أجسادهم من دهنه .
وعن جابر رضي الله تعالى عنه: فلما قدمنا المدينة ذكرنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر العنبر، فقال: «رزق أخرجه الله تعالى لكم، لعل معكم من لحمه شيء فتطعمونا»، فأرسلنا إلى رسول الله فأكله (مسلم).
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
وبعد،
فيا أيها المسلمون(انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)
فيجب على كل مسلم أن يجاهد في سبيل الله عزوجل قدر استطاعته.
بماله ونفسه ودعائه وما يقدر عليه.
ولا يكن من المخذلين عن دين رب العالمين سبحانه وتعالى.
ويجب علينا نصرة اخواننا في غزة بكل ما نستطيع حتى نعذر إلى الله سبحانه وتعالى.
ولا نغفل عن الدعاء، فالدعاء سلاح المؤمن.
اللهم انصر اخواننا المسلمين في غزة العزة
اللهم انصرهم نصرًا مؤزرًا.
اللهم كن معهم ولا تكن عليهم.
اللهم عليك باليهود الملاعين.
وحرر المسجد الأقصى الأسير.
اللهم اقصم ظهورهم.