روى ابن الجوزي عن بعض خدم الخليفة المعتضد العباسي قال :
كان المعتضد يوماً نائما وقت الظهيرة ونحن حول سريره، فاستيقظ مذعوراً ثم صرح بنا فجئنا إليه، فقال :
ويحكم اذهبوا إلى دجلة فأول سفينة تجدوها فارغة فأتوني بملاحها واحتفظوا بالسفينة.
فذهبنا سراعا فوجدنا ملاحاً في سفينة فارغة منحدرا، فأتينا به الخليفة فلما رأى الملاح الخليفة كاد أن يتلف، فصاح به الخليفة صيحة عظيمة فكادت روح الملاح تخرج فقال له الخليفة:
ويحك، أصدقني عن قصتك مع المرأة التي قتلتها اليوم وإلا ضربت عنقك.
قال: فتلعثم،
ثم قال: نعم يا أمير المؤمنين كنت اليوم الصباح في المكان الفلاني، فنزلت امرأة لم أر مثلها وعليها ثياب فاخرة وحلي كثيرة وجواهر، فطمعت فيها واحتلت عليها فشددت فاها وغرقتها وأخذت جميع ما كان عليها من الحلي والقماش، وخشيت أن أرجع به إلى منزلي فيشتهر خبرها، فأردت الذهاب به إلى واسط فلقيني هؤلاء الخدم فأخذوني.
فقال : وأين حليها ؟
فقال : في صدر السفينة .
فأمر الخليفة عند ذلك بإحضار الحلي، فجيء به فإذا هو حلي كثير يساوي أموالا كثيرة، فأمر الخليفة بتغريق الملاح في المكان الذي غرق فيه المرأة، وأمر أن ينادى على أهل المرأة ليحضروا حتى يتسلموا مال المرأة، فنادى بذلك ثلاثة أيام في أسواق بغداد وأزقتها فحضروا بعد ثلاثة أيام فدفع إليهم ما كان من الحلي وغيره مما كان للمرأة، ولم يذهب منه شيء.
فقال له خدمه : يا أمير المؤمنين من أين علمت هذا ؟
قال: رأيت في نومي تلك الساعة شيخا أبيض الرأس واللحية والثياب، وهو ينادي : يا أحمد يا أحمد، خذ أول ملاح ينحدر الساعة فاقبض عليه وقرره عن خبر المرأة التي قتلها اليوم وسلبها، فأقم عليه الحد .
ربما بعضكم يستغرب هذه القصة ، لذلك نوضح لكم أن الرؤى حق يراها الصالحون وغير الصالحون وخير ما نستشهد به من القرآن الكريم قصة إبراهيم عليه السلام :
﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾
وكذلك قصة ملك مصر :
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾
كتاب / البداية والنهاية - ابن كثير