موقع الشيخ عبدالغفار العماوي

أدعو إلى الله على بصيرة

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أعمال يثقل بها الميزان يوم القيامة (خطبة جمعة مكتوبة)


أَعْمَالُ يَثْقُلُ بِهَا الميزانُ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران: ١٠٢ }

أَمَّا بَعْدُ، عِبَادَ اللهِ:يخرُجُ الناسُ من قبورِهم عارِيةً أبدانُهم، حافِيةً أقدامُهم، ذابِلةً شِفاهُهم، في ذلك اليومِ العظيمِ يَنْصِبُ اللهُ الموازِينَ لوَزنِ أعمالِ العبادِ، ولإظهارِ كمالِ عدلِه تعالى " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ{الأنبياء: ٤٧ } ، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103){المؤمنون: ١٠٢ - ١٠٣ } فَطُوبَى لمن ثقُلَت موازِينُه بالحسناتِ، وَيَا خَسارةَ مَنْ خَفَّتْ موازِينُه، فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11) {القارعة: ٦ - ١١}

في ذلكَ اليومِ يَتَمنَّى المرءُ حسنةً ترفعُ إيمانَه، أو عملاً يُثقِّلُ ميزانَه، وقد أخبرَ النبيُ - صَلَّى اللَّهُ عَلْيهِ وَسَلَّمَ - عن أعمالٍ تَثْقُلُ بها موازِينُ العبادِ يومَ القيامةِ، حَرِيٌّ بالعاقلِ أَنْ يَتَلَمَّسَها ويتمسَّكَ بهَا.

فمنهَا - رَعَاكُم اللهُ -: تحقيقُ التوحيدِ وإخلاصُ الشهادتَينِ للهِ رَبِّ العالمينَ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ وغيرُه عن عبدِ اللهِ بنِ عمروِ بنِ العاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، أَنَّ النَّبِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلْيهِ وَسَلَّمَ - قالَ: «إِنَّ اللهَ سيُخلِّصُ رجُلاً مِنْ أُمَّتي عَلَى رُؤُوسِ الخلائِقِ يومَ القيامةِ، فينشُرُ له تسعةً وتسعين سجِلًّا مِنَ الذنوبِ، كلُّ سجِلٍّ منهَا مدَّ البصرِ، فيقولُ اللهُ تَعَالى: هَلْ ظلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فيقولُ العبدُ: لا يا ربِّ! فيقولُ اللهُ: هلْ لكَ مِن عُذْرٍ؟ فيقولُ العبدُ: لا يا ربِّ! فيقولُ اللهُ: بلَى إِنَّ لكَ عندنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لا ظُلمَ اليومَ، فَتُحْضَرُ بِطاقةٌ فيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلهَ إِلَّا اللهُ، وأشهدُ أَنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ. فيقولُ العبدُ: ومَا تَفْعَلُ هذِهِ البطاقةُ مَعَ هذِهِ السِّجِلِّاتِ؟ فتُوضَعُ البِطاقةُ في كِفَّةٍ، وسِجِلَّاتُ الذنوبِ كُلُّها فِي كِفَّةٍ، فتَطِيشُ السِّجِلَّاتُ وتثقُلُ البِطاقةُ، ولا يثقُلُ مع اسمِ اللهِ تَعَالَى شيءٌ».

أرأيتُم كيفَ فعَلَتِ الشَّهادةُ بهذهِ الذنوبِ؟! وكيفَ ثقُلَت في ميزانِ العبدِ يومَ القيامةِ؟! لأنَّهُ قَالَها مُخلِصًا من قلبِهِ، لم يقَعْ فِيمَا يَنْقُضُها أو يُفسِدُها مِنْ دُعاءِ غيرِ اللهِ، أو صَرفِ عبادةٍ لغيرِ اللهِ، أَوْ تَصْدِيقِ السَّحَرةِ والكُهَّانِ، أَوْ اتَّخاذِ متبُوعِينَ مِنْ دُونِ اللهِ.

أَيُّهَا المسلمونَ:وممَّا تثقُلُ به الموازِينُ: حُسنُ الخُلُق.

عَنْ أبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رسولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلْيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ شَيءٍ يُوضَعُ في الميزانِ أثقَلُ مِنْ حُسنِ الخُلُقِ» (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيْرُهُ).

وحُسنُ الخُلُقِ: هوَ الكلمةُ الطيبةُ، والتبسُّمُ في وجهِ أخيكَ، ولِينُ الجانِبِ، واللُّطفُ والسَّماحةُ، والصِّلةُ والإحسانُ، وبَذلُ النَّدَى وكفُّ الأذَى.

حُسنُ الخُلُقِ معَ النَّاسِ كلِّهم مُؤمنِهم وكافِرِهِم، صغيرِهم وكبيرِهم، غنيِّهم وفقيرِهم، يقولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّ الرَّجُلَ ليُدرِكُ بحُسنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القائِمِ» (رَوَاهُ أحمدُ وأبو دَاودَ).ويَقُولُ: «إِنَّ مِن أَحَبِّكُم إلَيَّ وأقرَبِكُم منِّي مجلِسًا يومَ القيامةِ: أَحَاسِنَكم أَخْلَاقًا» (رَوَاهُ التِّرْمِذِي).

ويَقُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَكْثرُ مَا يُدخِلُ الناسَ الجنةَ: تقَوَى اللهَ وحُسنُ الخُلُقِ» (رَوَاهُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ).

وأَحقُّ النَّاسِ بحُسنِ خُلُقِكُم هُمُ الأَقْرَبُونَ: الوالِدانِ، والزوجةُ، والأولادُ، يَقُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خيرُكم خيرُكم لأهلِهِ، وأَنَا خيرُكم لأهلِي» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وابنُ مَاجَةَ

عبادَ اللهِ: والعملُ الثالثُ الذي تثقُلُ به الموازِينُ يومَ القيامة: هو ذِكرُ اللهِ تَعَالى.

في "الصَّحِيْحَيْنِ": عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلْيهِ وَسَلَّمَ -: «كلِمتانِ خَفِيفَتَانِ على اللِّسانِ، ثقِيلَتَانِ في الميزانِ، حبِيبَتَانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ»؛

مَنْ أَرَادَ أَنْ تَثْقُلَ مَوَازِينُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلْيُكْثِرْ مِنْ هذِهِ الكلِماتِ، وليكُن لِسانُه رَطبًا من ذِكرِ اللهِ؛ يَقولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

ويقولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ » (مُتْفَقٌ عَلَيْهِ). وقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلْيهِ وَسَلَّمَ - لأبي موسَى الأشعريِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «أَلَا أدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنوزِ الْجَنَّةِ؟». قُلتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللهِ» (مُتَفَقٌ عَلَيْهِ).

لَقِيَ النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلْيهِ وَسَلَّمَ - إبراهيمَ - عليه السَّلامُ - لَيْلةَ أُسرِيَ بِهِ، فَقَالَ: «يَا مُحمَّدُ! أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ، وَأَخْبِرْهُم أَنَّ الجنةَ طيبةُ التُّربَةِ، عَذبَةُ الماءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ - يَعْنِي: أَرَاضٍ مُسْتَوِيَةٌ -، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بنتِ الحارِثِ أمِّ المُؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلْيهِ وَسَلَّمَ - خَرجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرةً حِينَ صلَّى الصُّبحَ وَهِيَ فِي مِسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: «مَا زِلتِ عَلَى الحالِ التِي فَارَقتُكِ عَلَيْهَا؟»، قَالَتْ: نَعَم، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلْيهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَو وُزِنَت بما قُلتِ منذُ اليومِ لوزَنَتهنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

بَارَك اللهُ لِي وَلَكُم في القُرْآنَ والسُّنَّةِ، ونَفَعَنا بما فيهِمَا مِنَ الآياتِ والحِكْمَةِ، أَقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى لي ولكُم.

الخُطْبَةُ الْثَّانِيَةُ

الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشكرُ لَهُ على توفيقِهِ وامتنانِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ تعظيمًا لشأنِهِ، وأشهدُ أنَّ نبينَا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إِلى رِضْوَانِهِ، صلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَإِخْوَانِهِ، وَسَلَّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.أَمَّا بَعْدُ .. فَيَا أَيَّهَا المسْلِمُونَ:

وَإِذَا كَانَ الوزنُ يومَ القيامةِ للحسناتِ والسيئاتِ، فَيَنْبَغِي للمَرْءِ أَلَّا يَزْهَدَ فِي قَلِيلٍ مِنَ الخَيْرِ أَنْ يَأْتِيَه، وَلَا فِي قَلِيلٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَجْتنِبَه، فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الحسنةَ التي يَرْحمُهُ اللهُ بِهَا، وَلَا السِّيَئَةَ التي يَسْخَطُ عَلَيْهِ بِهَا. فَاسْتَكْثِرُوا مِنَ الصَّالِحاتِ، وَتَدَارَكُوا أَنْفُسَكُم قَبْلَ الفَوَاتِ.

ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمرَكُم بَأَمْرٍ بَدَأَ فِيْهِ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {الأحزاب: ٥٦} اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ محمَّدٍ، وعلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنَ صَحَابَةِ رَسُولِكَ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ وَأَذِلَّ الشِّركَ والمشركينَ وَدَمِّرْ أَعْداءَ الدِّينِ

اللَّهُمَّ آمِنِّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا 

اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَأَرَادَ بِلَادَنَا بِسُوءٍ أَوْ فُرْقَةٍ فُرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ دَمَارًا عليهِ،.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

عن الكاتب

عبدالغفار العماوي

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

موقع الشيخ عبدالغفار العماوي