قصة قوم عاد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
أَمَّا بَعْدُ : عبــادَ اللَّهِ : هَلْ حديثٌ أصْدَقُ مِن حديثِ القرآنِ ، وَهَلْ وعْظٌ أَبْلَغُ مِنْ مواعظِ الفرقانِ ، وَهَلْ قَصَصٌ أجودُ وأشدُّ أثراً مِن قَصَصِ الذِّكرِ الحكيمِ . فكمْ يَرى العبدُ فِي دُنْيَاهُ مِن مصائبَ ، وأمورٍ يُنكرُهَا ، رُبَّمَا تَزَعْزَعَ فِيهَا يَقينُه ، وضَعُفَ مَعَهَا رجاؤُهُ ، وتَشَتَّتَ بَعْدَهَا فِكْرُه ، فَإِذَا أوردَ قلبَه كلامَ ربِّهِ عادَ للقلبِ صفاؤُهُ ، وللنفسِ زكاؤُهَا . وَقَد دَعَانَا القرآنُ الكريمُ للنظرِ والاعتبارِ فِي حَالِ الأممِ والحضاراتِ الَّتِي عاشتْ حيناً مِن الدهرِ وسادتْ ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُسَخِّرُوا هَذِه الحضارةَ فِي عبوديةِ اللَّهِ ، فزالتْ حضارتُهمْ ، وَأَصْبَحُوا أثراً بعدَ عَيْنٍ (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) . نقفُ مَع نبأٍ مِن أنباءِ الغَيْبِ ، وقِصَّةٍ مِنَ القَصَصِ الحقِّ ، مليئةٍ بالدروسِ ، مشحونةٍ بالعبرِ ، فِيهَا تسليةُ للمُستضعفينَ ، ورسالةُ إنذارٍ للمتجبرينَ . فمعَ خبرِ أمَّةٍ لَم يُرَ مِثْلُهَا فِي الطغيانِ وَالْعِنَادِ ، والبطشِ والفَسادِ ، ظَلَمُوا أنفُسَهَمْ ، وعَلَو فِي الأرضِ ، وَمَا عَلِمُوا أنَّ الطغيانَ مَهْلكةٌ للدِّيارِ ، مَسْخطةٌ لِلْجَبَّارِ ، نهايتُهُ ومآلُه خَيْبَةٌ ومَذَلَّةٌ إنَّهُمْ قومُ عادٍ الَّذِين تزاهَو بالمالِ ، وتباهَوا بِالْقُوَّةِ ، فأورثَهمْ ذَلِكَ طغياناً وكفراً ، وعِناداً وبَطَراً (ألم ترَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعَادٍ * إرمَ ذَات العماد) ، بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَه لِهَذِه الأمةِ قوَّةً فِي أجسادِهمْ ، وضخامةً فِي أبدانِهمْ ، قَالَ تَعَالَى : (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً) ، بَلْ لَمْ يَخْلُقِ اللهُ مثلَ قوَّتِهمْ ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ : (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) فَكَانُوا أَقْوَى أهلِ زمانِهم ، وَكَانَتْ لَهُمْ الخلافةُ بَعْد عصرِ نوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ (واذكروا إذ جَعَلَكُم خلفاءَ مِنْ بَعْدِ نوحٍ) . كَان قومُ عادٍ أصحابَ رُقِيٍّ وعُمْرَانٍ ، وحَضَارةِ فِي الْبِنَاءِ ، فمساكنُهم آيةٌ فِي الرَّوْعَةِ والفَنِ ، أَشَارَ الْقُرْآنُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا فِي قَوْلِهِ : (إرَمَ ذاتِ الْعِمَادِ ) ، أَيْ ذاتُ البناءِ الرَّفِيعِ . ، وَزَادَهُم اللهُ بسطةً فِي النَّعيمِ ، فَكَانَتْ أَرَاضِيهِم جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، فزادتْ مواشِيهمْ ، وفاضتْ أموالُـهمْ ، وكَثُرَتْ أبناؤُهمْ ، (أمدكمْ بأنعامٍ وَبَنِينَ * وجناتٍ وعيون)عاشَ قومُ عادٍ حياةَ الترفِ ، والالتهاءِ بِالدُّنْيَا ، فَكَان الواحدُ يُحْكِمُ بُنْيَانَه ويَرْفَعُهُ ويُباهي بِه ، لَا لحاجتِهِ ، بَلْ للمفاخرةِ والتطاولِ ، ( أتبنونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تعبثونَ )وتنافسُوا أيضاً مِن الإكثارِ فِي بناءِ المساكنِ والبروجِ الشاهقةِ لِيَخْلُدَ فِي الدنيَا ذكرُهُمْ (وتتخذونَ مصانعَ لعلكمْ تخلدُون).قابَلَتْ هذهِ الأمةُ نِعَمَ اللهِ بالكُفْرَانِ ، وآلاءَهُ بالجحودِ والنُّكرانِ ، فعبدُوا الأوثانَ ، واعتقدُوا فيهَا النفعَ والضُّرَ ، فلمْ تُغنِ عنهمْ حضارتُهم وتقدُّمهُم شيئاً.فصَدَقَ فيهمْ قولُ الحقِّ : (يعلمُونَ ظاهراً مِنَ الحياةِ الدنيَا وَهُمْ عَنْ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) . وَكَانَتْ تِلْكَ الأمةُ قَدْ فَشَا فِيهِمْ الظُّلْمُ : ( وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جبارينَ) ، ، وغرَّتْهُم حضارتُهم وقوتُهم فَقَالُوا مَنْ أشدُّ منَّا قوَّة .
بَعَثَ اللَّهُ لَهُمْ نَبِيِّهُ هودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَدَعَا وذكَّرَ ، وَنَصَحَ وَأَشْفَقَ فَقَاَل : ( أُبلِّغُكُم رِسَالَاتِ رَبّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أمين) . دَعَاهُمْ إلَى عبادةِ اللَّهِ وحدَهُ ، وَنَبْذِ الْأَوْثَانِ : (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) . وذكَّرَهُمْ نِعَمَ اللهِ الدارَّةِ عَلَيْهِم (فاذكرُوا آلَاءِ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تفلحُون)وحثَّهُمْ عَلَى الاستغفارِ وَالتَّوْبَة ، وأنَّ الرجوعَ إلَى اللهَ يزيدُهُم خيراً (ويا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مدراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلَى قوتكم) . وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَةِ نفعاً ، أَو مالاً ( يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجراً إنْ أُجْرِيَ إِلّا عَلَى الَّذِي فطرَنِي) . آمَنَ مَعَ هودٍ مَنْ آمنَ مِنْ قومِهِ ، والغالبُ اخْتَارُوا طَرِيقَ الْهَوَى وَالْعِنَادِ وَالْإِعْرَاضِ (ومَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بمؤمنين) ، فقابلُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ الصَّادِقَةَ بمواقفَ عِدَّةٍ حَكَاهَا الْقُرْآنُ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ : فاحتقروا نبيَّهُم ، وَرَمَوْهُ بالسَّفاهةِ والكّذِبِ : (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) . وَاتَّهَمُوه فِي عَقْلِهِ : (إنْ نَقولُ إلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ)وادَّعَوا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِمْ بِالْأَدِلَّة الْمِقْنَعَة عَلَى دَعْوَتِهِ : (قَالُواْ ياَهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ)وصارحُوه بِالْكُفْرِ : ( وَمَا نحنُ لكَ بِمُؤْمِنِين )بلْ ادَّعوا أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَهُوَ عَلَى الضَّلالِ : ( أَنَا لَنَرَاك فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) . مَكَثَ هودٌ مَا شاءَ اللهُ لَه أنْ يَمْكُثَ فِي قومِه ، وَدَارَت بينَه وَبَيْن قومِه جلساتُ حوارٍ وَمُنَاظَرَةٌ ، واستخدمَ مَعَهُم وسائلَ الْإِقْنَاع ، وطرائقَ التَّأْثِير ، رغَّبَ ورهَّبَ ، ولاَنَ وتَرَفَّقَ ، حَتَّى ملَّ قومُهُ هَذَا الحوارَ ، وَتِلْكَ النَّصَائِحَ ، فَقَالُوا : (سواءٌ عَلَيْنَا أوعظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الواعظين) ، بَلْ بَلَغَ بِهِم الإعراضُ أَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ التَّحَدِّي فَقَالُوا : (فأتنَا بِمَا تعِدُنَا إنْ كُنْتَ مِنْ الصادقينَ)فإذَا نبيٌ اللَّهِ هودٌ الْهَادِي الْمُشْفِقُ يُغْلِظُ لَهُمْ فِي الْقَوْلِ ( قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وغضب) .
أُخُوَّةَ الْإِيمَانِ : يَقُولُ مَنْ لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ) . أَمَرَ اللهُ سماءَهُ فأمسكتْ ، وأرضَهُ فأجدَبَتْ ، فَعَاشَتْ عَادٌ تتشوفُ غيثَ السَّمَاء وتتحيَّنُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي لَهْوِهِمْ سادرُون وَفِي غَيِّهِم لاهون ، إذْ أَذِنَ اللهُ لجندٍ مِن جندِه أنْ يَتَحَرَّكَ ، أذِنَ للهواءِ الساكنِ أَنْ يضطربَ ويَهيجَ ، فَإِذَا هُوَ يسوقُ السحابَ سوقاً ، فَلَمَّا رَأَوْهَا مُسْتَقْبَلَةً أودِيَتِهِمْ استبشرُوا وَقَالُوا هَذَا عَارِضٌ ممطِرُنَا ، قَالَ اللَّهُ : (بلْ هُوَ مَا استعجلتمْ بِهِ رِيحُ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) . ريحٌ باردةٌ عاتيةٌ ، مَا تَذَرُ مِن شيءٍ إلَّا جعلتُهُ كالرَّميمِ ، ريحٌ عَقِيم ، ( تُدَمِّرُ كُلِّ شَيْءٍ بِأَمْرٍ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يَرَى إِلاَّ مَسَاكِنِهِم كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْم الظالمين)سخرَهَا عَلَيْهِم الجبارُ سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أَيَّامٍ ، مِن قوَّتِها أَنَّهَا كَانَتْ تحملُهم إلَى أَعْلَى ، فتتصاعدُ أَجْسَادُهُم إلَى السَّمَاءِ ، ثُمّ تُنَكِّسُهم عَلَى رؤوسِهمْ ، فَتَنْدَّقُ أعناقُهمْ وَهَذَا جَزَاءُ الْمُسْتَكْبِرِين فِي الدُّنْيَا تَرَاهُم صرعَى(كأنَّهُم أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقية)
فَيَا لَلَّهِ . . تصوَّرْ هَذَا الإنسانَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ المنكَّسةِ قَدْ كَانَ بِالْأَمْسِ يُنَادِي : مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً .
فأفٍ لِهَذَا الإنسانِ حِينَ يَظنُّ أَنَّه خُلِقَ ليتعَالَى عَلَى خلقِ اللَّهِ .
أفٍّ لِهَذَا الإنسانِ حِين يَضِلُّ سعيُه فِي الحياةِ الدُّنْيَا مِنْ أجلِ أمجادٍ زائفةٍ زائلةٍ .
أفٍّ لحضاراتٍ تسترخِصُ الدماءَ ، وتتسلَّطُ عَلَى الضعفةِ والأبرياءِ ، وَلِسَانُ حَالُهَا مَنْ أشدُّ مِنَّا قُوَّةً . فَيَا وَيْلَ ثَمَّ يَا وَيْلَ مَنْ نُزِعَتْ مِن قلوبِهم الرحمةُ ، ففَجعُوا الأمَّ بوليدِها ، وجرَّعُوا مراراتٍ مِنْ الْأَسَى عَلَى بيوتٍ بَرِيئَةٍ ، رُمِّلَتْ نساؤُهَا ، ويُتِّمَتْ أطفالُـها ، وبَكَتْ رجالُـها ، ودامتْ أحزانُها .
نَعَمْ هَذِهِ نهايةُ الطُّغْيَانِ ، وَهَذِه خاتمةُ الكفرِ وَالتَّعَالِي والنكرانِ
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنْ الآياتِ وَالْبَيَان ، أَقُولُ هَذَا القولَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كلِّ ذَنْبٍ ، فاستغفرُوه إنَّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إحسانِه ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِه ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تعظيمًا لِشَأْنِه ، وَأَشْهَد أنَّ نبيّنا محمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ .
أَمَّا بَعْدُ : عِبَادَ اللَّهِ : وَفِي خبرِ قومِ عادٍ عبرٌ وَعِظَاتٌ ، وفوائدُ وَإِشَارَاتُ : ـ مِنْهَا أَنَّ الإصلاحَ يبدأُ مِن التوحيدِ وغرسِهِ ، ونبذِ الشركِ وَالْبِدَعِ ، وَالتَّعَلُّقِ بالخرافاتِ ، وَلِذَا اِسْتَهَلَّ هودٌ دعوتَه (اعبدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلهٍ غيره)ـ وَمِنْهَا : أَنَّ التقليدَ الْأَعْمَى وَالْإِعْرَاضَ عَنْ هداياتِ الرُّسُلِ سَبَبٌ لَطَمَسِ الْقُلُوبِ وقسوتِها ، فَلَا تَرَى نُورَ الْحَقِّ ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَةُ المشفقينَ الناصحينَ . ـ وَفِي خَبَرِ هُودٍ مَعَ قَوْمِهِ رِسَالَةٌ لِلْآبَاءِ والمربينَ أَنْ يسلكُوا مَسَالِكَ التَّرَفُّقِ وَالْحِلْمِ وَاللِّينِ ، فَهَذَا هُودٌ نبذَهُ قَوْمُهُ وعيَّروهُ ، وكذَّبُوه وسخرُوا مِنْه ، وَمَعَ ذَلِكَ مَا انْتَصَر لِنَفْسِه فَقَابَل الْإِسَاءَة بِمِثْلِهَا ، بَل نَادَاهُم بِعِبَارَةِ ( يَا قَوْمِ ) الْمُشْعِرَة بِاللِّينِ وَالشَّفَقَةِ ، . ـ وَفِي مَوَاعِظِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَنَّ الْإِنَابَةَ إِلَى اللَّهِ وَالتَّمَسُّكَ بِشَرِيعَتِهِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْخَيْرَاتِ فِي الدُّنْيَا ، فَقَد رَغَّبَ هودٌ قَوْمَهُ إنْ هُمْ اسْتَجَابُوا بِمَصَالِحَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، (يرسلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مدراراً وَيَزِدْكُمْ قوَّةً إلَى قُوَّتِكُمْ ) .
وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ مُعْرِضٍ بَعِيدٍ عَنْ هداياتِ الرُّسُلِ يَرَى أَنَّهُ عَلَى حَقِّ ، وَهَذَا مِنْ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ ، فَيَرَى صوَابَ قَوْلِهِ أوَ فِعْلِهِ ، وَالْخَطَأَ فِيْمَا عَارَضَهُ ، فَهَذَا هُودٌ قُوبِلَتْ دَعْوَتُهُ بِوَصْفِهَا بِالضَّلَالِ ( إنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مبينٍ)ـ تِلْكَ عِبَادَ اللَّهِ شَيْءٌ مِنْ فَوَائِدِ قِصَّةِ عَادٍ وَالْفَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ، جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِظَةِ وَالِاعْتِبَارِ ، وَأَبْعَدَ عَنَّا مُوجِبَاتِ غَضَبِهِ ، وَجَمِيعِ سَخَطِهِ .
هَذَا وصلُّوا وسلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَأَزْكَى الْبَشَرِيَّة مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النبيِّ الأمِّيِّ .
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ